حيث إنه تعالى ذمه على ترك السجود ولو لم يكن الامر للفور لم يتوجه عليه إذ كان له أن يقول لم تأمرني بالبدار وسوف أسجد و الجواب أنه لم يؤمر بالسجود مطلقا بل في وقت مخصوص وهو إما زمان التسوية بناء على أن إذا ظرف زمان للجزاء كما يراه البصريون وإما زمان متاخم لزمان التسوية على ما تقتضيه الفاء فإنها للتعقيب من غير تراخ ولو سلم أن إذا لمجرد الشرطية أو لتعليق مفاد هيئة الامر على الايجاب دون مادته على حصول زمن الشرط و أن الفاء الجزائية لا تفيد التعقيب فلا نسلم أن الفورية قد استفيدت من الامر لجواز أن تكون قد استفيدت من قرينة حالية أو مقالية مع أنا لا نسلم أن الاستفهام ذم لجواز أن يكون تقريرا على الباعث الثالث قوله تعالى وسارعوا إلى مغفرة من ربكم فإن المراد بالمغفرة ليس حقيقتها لامتناع مسارعة العبد إليها لأنها فعل الله تعالى و هو غير مقدور للعبد بل المراد سببها وهو فعل المأمور به فيدل على وجوب الفور في الاتيان بالمأمور به لما مر من أن الامر يقتضي الوجوب لا يقال ليس المراد بالمغفرة إلا التوبة دون غيرها من الطاعات وإلا لزم ما ذهب إليه بعض المعتزلة من القول بالحبط و التكفير وأنه باطل عندنا لأنا نقول الحبط والتكفير بالمعنى الذي قال به بعض المعتزلة وقام النص والاجماع عندنا على بطلانه هو إذهاب كل من الحسنة والسيئة على قدر ما لها من المرتبة ضعفا وقوة للأخرى مع ذهابها على قدر إذهابها وهذا غير المغفرة التي هي عبارة عن تجاوزه تعالى عن ذنوب العبد تفضلا عليه بسبب إقدامه على الطاعة من غير حبط شئ من ثوابه وغير الحبط الذي هو إذهاب بعض الذنوب لجميع الحسنات أو بعضها من غير أن يذهب بذلك شئ من الذنب كالكفر والحسد فإن هذا لا يعتريه أثر الشك لدلالة الكتاب والسنة عليه فإن قيل هذا الدليل أخص من المدعى من وجهين الأول أنه لا يتناول من لا ذنب له بالأصل أو بالعارض إذ لا يتصور مغفرة في حقه الثاني أنه لا يتناول كل أمر إذ لا دليل على أن امتثال كل أمر يوجب المغفرة قلنا يمكن إتمام القول فيهما بعدم الفارق مضافا في الثاني إلى عموم قوله تعالى إن الحسنات يذهبن السيئات ولو قرر الاستدلال بقوله تعالى وجنة عرضها السماوات و الأرض كان سالما من الاشكالين وطريق الاستدلال به يعرف مما مر بل الوجه في الجواب منع عموم المغفرة ووجوب البدار إلى البعض كالتوبة مما لا ريب فيه وما يقال من أن المغفرة وصفت بكونها من الرب وهي من صفات جنسها والنكرة إذا وصفت بصفة الجنس أفادت العموم كما في قوله تعالى وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه فمدفوع بأن المغفرة لا تختص بكونها من الرب بل قد تكون من العبد أيضا فلا يكون الصفة للجنس على أن فائدة وصف النكرة بصفة الجنس لا تنحصر في إفادة العموم بل قد تكون غيره كإفادة التعظيم والترغيب فلعل المقام منه ولو سلم أن المراد بها العموم فلا بد من حمل الامر بالمسارعة على مطلق الطلب والرجحان لئلا يلزم التخصيص إلى الافراد النادرة فإن كثيرا من أسباب المغفرة مندوبة وكثيرا مما يجب قد ثبت عدم وجوب فوريتها من الشرع وظاهر أن حمل الامر على مطلق الطلب أولى من ارتكاب هذا التخصيص المستبشع على تقدير صحته وتمسك العضدي تبعا للحاجبي في حمل الامر بالمسارعة على الأفضلية بأنه لو حمل على الوجوب لوجب الفور فلم يكن مسارعا لأنه إنما يتصور في الموسع دون المضيق أ لا ترى أن العبد إذا أمره مولاه بصوم غد فصامه لا يقال إنه سارع في الامتثال ووافقه فيه صاحب المعالم رحمه الله إلا أنه تأمل فيه من حيث إن رفع المنافاة الحاصل بين الهيئة والمادة كما يمكن حمل الامر على الاستحباب كذلك يمكن حمل سارعوا على معنى بادروا فيكون دليلا على الفور قال ولعل الأول أرجح وفيما ذكروه نظر للقطع بأن الامر إذا أمر بالصوم ثم قال أوجبت المسارعة إليه كان كلامه صحيحا متجها فالمسارعة لا تنافي وجوبها وتحقيق ذلك أن المسارعة إنما تطلق حيث يكون الفعل محتملا للتقديم والتأخير في نفسه وحيث إن الصوم المقيد بكونه في الغدير محتمل لهما لم يصح هناك إطلاق المسارعة بخلاف ما فرضناه فإن الصوم بحسب أمره السابق يحتمل التقديم والتأخير فيصح إيجاب المسارعة إليه و كذا الكلام في ندبية المسارعة إلى المندوب وظاهر أن موضع النزاع من القسم الثاني دون الأول فلا يتم البيان فيه سيما على القول ببقاء الطلب بعد ترك المسارعة كما لا يخفى ولو قرر المنافاة بأن في لفظ المسارعة دلالة على أن الفعل المأمور به بحسب ما دل عليه الامر صالح للتقديم والتأخير إذ لا يصدق فيما عين له وقت مضيق وهو ينافي ما يظهر من القائلين بالفورية من أنها مفاد الصيغة لتوجه عليه بأن ذلك في صورة تعيين لوقت المضيق مسلم وأما في صورة عدم التعيين فلا فيصح أن يكون الامر بالمسارعة تصريحا بما دل عليه ظاهر الامر من الفورية بناء على دلالته عليها ولو قلنا بعدم سقوط التكليف بعد التأخير فعدم التنافي أوضح وأما ما تأمل به صاحب المعالم في كلام العضدي والحاجبي فليس بشئ لان سارعوا و بادروا بمعنى واحد فالتفرقة بينهما غير معقولة إلا أن يريد به معنى الاستباق فلا يفيد الفورية كما يأتي ومع ذلك يلزم التجوز في الهيئة أيضا إذ لا قائل بوجوبه الرابع قوله تعالى فاستبقوا الخيرات فإن فعل المأمور به من الخيرات فيجب الاستباق إليه والجواب عنه ما مر في الآية السابقة من أن حمل الامر على الأفضلية أولى من تخصيص العام إلى الفرد النادر مع أن الظاهر من الاستباق طلب السبق على الغير بل هو معناه وضعا وهو أعم من الفور من وجه ولا قائل بوجوبه من حيث نفسه كما هو مفاد اللفظ فيتعين الحمل على الاستحباب وأجاب الحاجبي ومتابعوه بما مر في آية المسارعة من أن وجوب الاستباق ينافي الاستباق فيتعين الحمل على الاستحباب دفعا للتنافي بين المادة والهيئة وضعفه ظاهر مما بيناه الخامس لو جاز التأخير لكان إلى وقت معين والتالي منتف فكذا المقدم بيان الملازمة أنه لو لم يكن إلى وقت معين لكان إلى آخر أزمنة الامكان اتفاقا وهو باطل لأنه غير معلوم للمكلف فيلزم التكليف بالمحال حيث يجب عليه حينئذ أن لا يؤخر الفعل عن وقت لا يعلمه ويمكن بيان ذلك بوجه آخر وهو أنه إذا أخره المكلف والحال هذه فصادف ما يوجب الفوات فلا يخلو إما أن يعاقب على ترك الواجب أو لا لا سبيل إلى الأول لقبح العقاب على ترك
(٧٦)