الثاني بقوله تعالى وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين و الاستدلال به إما من حيث إن العبادة لا تتحقق إلا بقصد الامتثال أو من حيث إن الدين عبارة عن مجموع العقائد والأعمال الشرعية و الاخلاص بها لا يتم إلا بقصد الامتثال وبرواية إنما الأعمال بالنيات حيث يدل على اعتبار النية في كل عمل ومنه فعل الواجب وفي معناها رواية لا عمل إلا بنية وقد يستدل أيضا بقوله تعالى أطيعوا الله و أطيعوا الرسول حيث إن الإطاعة لا تصدق إلا عند قصد الامتثال وبرواية إنما لكل امرئ ما نوى وهذه الوجوه لو تمت لدلت على اعتبار قصد الامتثال شرعا فيما تعلق به أمر الشارع بالأصالة وبالعرض فيقيد بها الأوامر المطلقة حيث لا دليل على خلافه لكنها موضع نظر أما الأول فلان الآية إنما تقتضي أن يكون السبب الداعي إلى الامر حصول التعبد ووقوعه وذلك أعم من حصوله به أولا كما في الامر بالصلاة أو بواسطة كما في الامر بمقدماتها للفرق بين قولنا ما أمروا إلا بالعبادة وبين ما أمروا إلا للعبادة فإن الأول يقتضي حصر المأمور به في العبادة دون الثاني فلا يكون لها دلالة على وجوب قصد التعبد في كل ما أمر به إلا على تقدير العلم بأن لا مدخل لمجرد وقوعه في عبادة ولو مدخلية خفية وهذا على تقدير حصوله نادر جدا مع أن الظاهر من سياقها أنها قصر إفراد وردت ردا على الكفار حيث زعموا أنهم ومأمورون بعبادة غيره تعالى أيضا والتقدير وما أمروا العبادة إلا لعبادته تعالى ثم أكد ذلك بذكر الاخلاص في الدين وهو ما يدان الله به ويعبد فلا يكون فيها شهادة على المدعى للمنع من كون المطلوب في الأوامر المطلقة عبادة وحمل الدين على ما يتناول الأعمال بعيد ودعوى الحقيقة الشرعية فيه غير ثابتة و إطلاقه عليها في بعض الموارد على تقدير ثبوته لا يصلح قرينة على إرادتها منه حيث لم يثبت فلان تمسك بأن الظاهر من القصر أن يكون حقيقيا فلا يعدل عنه إلى الإضافي من غير دليل لتوجه عليه بلزوم التخصيص على تقديره إذ كثيرا من الواجبات مما لا يعتبر فيها قصد القربة اتفاقا ورجحان التخصيص على غيره من أنواع الخروج عن الظاهر على إطلاقه ممنوع لا سيما بعد مساعدة السياق على ما ذكرناه من الحمل على القصر الافرادي ومع التنزل فلا أقل من تساوي الاحتمالين فيسقط الاستدلال وأما الثاني فلان المتبادر من الأعمال في الرواية إنما هو العبادات ولو سلم فسلامة سندها غير معلومة ولا جابر لها في غير ما ذكر فيتعين الاقتصار عليه على أنا نقول إنما يدل الرواية على أن العمل لا يكون عملا إلا بنية فيدل على عدم الاعتداد بعمل الغافل والساهي والمكره وناوي الخلاف حتى في العقود والايقاعات وشبهها ولا دلالة فيها على أنه لا يكون عملا إلا بنية التقرب إذ لا شاهد فيها على هذا التقييد فلا يكون لها دلالة على المتنازع فيه فإن قلت لا يسقط التكليف بالمأمور به إلا بموافقة أمره وهو عمل فلا يكون إلا بنية قلت العمل إنما هو نفس الفعل وأما موافقته للامر فهي من لوازمه على تقدير إطلاق الامر وليست بعمل وأما عن الثالث فبأن الامر بالإطاعة مطلق ولا يتناول كل أمر والقطع بعدم إرادة إيجاد الإطاعة في الجملة ولو في ضمن أمر لا يقتضي القطع بإرادة إيجادها في ضمن كل أمر حتى في مورد النزاع وأما عن الرابع فلما مر في الوجه الثاني فإن الروايتين متقاربتان في المعنى فصل اختلف القائلون بأن الامر للوجوب فيما إذا ورد عقيب الحظر فالأكثر على أنه حينئذ للإباحة وقيل بل للوجوب وقيل إن علق الامر بزوال علة عروض النهي كان كما قبل النهي قال العضدي بعد نقله وهو غير بعيد ثم الظاهر من الحظر في كلامهم هو النهي النفسي و حمله على ما يتناول النهي التنزيهي والغيري بعيد لا سيما الأول نعم لا يبعد إلحاقهما به لا سيما الثاني وفي حكم سبق الخص كون المقام مظنة له أو سبق ظن المخاطب أو وهمه ولا بد في كل ذلك من اعتبار كون مساق الامر لبيان رفع النهي أو لتأكيد ما دل عليه بحيث يستفاد ذلك منه ولو ظهورا بالفحوى وينبغي حمل كلماتهم عليه ثم يرجع النزاع إلى أن سبق الحظر أو توهمه هل يصلح قرينة لإرادة الإباحة به أو لا ومن توهم أن النزاع في تعيين ما وضع له الامر حينئذ فقد سها سهوا بينا والتحقيق عندي أن حكم الشئ قبل الحظر إن كان وجوبا أو ندبا كان الامر الوارد بعده ظاهرا فيه فيدل على عود الحكم السابق وإن كان غير ذلك كان ظاهرا في الإباحة كما ذهب إليه الأكثرين وعلى هذا فلا حاجة لنا إلى تخصيص الدعوى بغير الامر بالعبادة ويلزم القائلين بالإباحة مطلقا ذلك لان إباحة العبادة غير معقولة لنا على ما ذكرناه في المقامين مساعدة العرف و الاستعمال عليه كما يظهر بالرجوع إلى ما يتفق من موارده في العرف و سيأتي التنبيه على بعض أمثلته مع أن ذلك هو الغالب في الأوامر الشرعية الواردة عقيب الخطر كما يشهد به الفحص والاختبار فيتعين حمل مواضع الشك من الموارد النادرة على تقدير ثبوتها عليه فمن موارد القسم الأول قوله تعالى فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين وأمر الحائض بالصلاة والصوم بعد ما نهيت عنها و من القسم الثاني قوله تعالى وإذا حللتم فاصطادوا فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فإذا تطهرن فأتوهن وقوله صلى الله عليه وآله كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي ألا فادخروها إلى غير ذلك فتعين حمل مواضع الشك من الموارد النادرة على تقدير ثبوتها عليه إلحاقا لها بالأعم الأغلب مع مساعدة الأصل في صورة إرادة الإباحة بل الندب أيضا عليه حجة القول بالإباحة مطلقا تبادرها من الامر عند ملاحظة سبق الحظر عليه وغلبة استعماله فيها حينئذ في محاورات الشرع فيلحق به مواضع الشك وأورد عليه النقض بقوله تعالى فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين وبأمر الحائض بالصوم والصلاة وجوبا بعد ما نهيت عنهما فأجيب بأنه شاذ فلا يقدح في ظهور الإباحة وغلبتها و ضعفه ظاهر مما قدمنا واحتج بعضهم بأن ضدية الإباحة للحرمة توجب تبادرها من الامر المسبوق بالحظر وليس بشئ لان الأحكام الخمسة كلها متشاركة في الضدية احتج القائلون بالوجوب مطلقا أولا بجواز تصريح الامر حينئذ بالوجوب فلو كان وقوعه عقيب الحظر منافيا لذلك لما جاز والجواب أن المقصود ظهور الامر في غير الوجوب بالنسبة إلى موارده بالنظر إلى القرينة الظاهرية وذلك لا ينافي جواز التصريح بالخلاف وثانيا بأن قول
(٧٠)