الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٤٣٩
أخبار العامة على ما لم يكن نبوية وفيه بعد واختلافها في ترتيب الوجوه ذكرا يدل على عدم ترتبها حكما وإن كان قضية الترتيب خلافه وخلو بعض عن بعض الوجوه غير قادح في اعتباره لان المثبت مقدم على غيره وهل التعويل على هذه الوجوه تعبدي ولو لإفادتها ظنا مخصوصا أو دائر مدار حصول الظن المطلق بها حتى إنه لو تجردت عن إفادته لم يعول عليها ولو وجد هناك مرجح آخر أقوى منها عول عليه دونها وجهان من الاقتصار على ظاهر الاخبار و من دلالة فحواها على إناطة الترجيح بالظن ولا يقدح ضعف أسانيد كثير منها لانجبارها بالعمل المفيد للظن بمقتضاها فإن انسداد باب العلم في تعيين ما هو الحجة من الاخبار يوجب التعويل على الظن فيه على ما سبق تحقيقه نعم لا عبرة بالتأخر ورودا في حقنا غالبا كما سننبه عليه وليس في الاخبار تعرض لتعارض الوجوه فيرجع فيه إلى ما قررناه من قاعدة انسداد باب العلم ويمكن استفادة كون الشهرة أقوى من غيرها من تعليله عليه السلام بأن المجمع عليه لا ريب فيه فإن المراد المجمع عليه المشهور بقرينة سابقه ولو انتفت تلك الوجوه أو تكافأت فالأحوط الرجوع إلى بقية المرجحات كما سننبه عليه ثم إن لبعضهم على الأخبار الواردة في المقام شبها لا بأس بذكرها والتنبيه على رفعها منها أن الأفقهية والأصدقية و الأورعية قد اعتبر في بعضها اجتماعها في الترجيح فلا يكفي أحدها و فيه أن تلك الرواية لا دلالة لها على عدم الاكتفاء بأحدها بل غاية الامر أنها لا يدل على الاكتفاء به فيكون كسائر المرجحات التي لم تذكر فيها وقد ثبت اعتبارها بدليل آخر ومنها أن الورع والصدق لا يستلزمان أقربية الحديث إلى الواقع بل إلى الصدور والمقصود في الترجيح هو الأول وفيه أن الأقربية إلى الصدور ويستلزم الأقربية إلى الواقع بحسب الظاهر لان التقية على خلاف الظاهر ولهذا لا يصار إليها من غير شاهد بين ومنها أن موافقة الرواية للكتاب إن كانت لقطعياته فهذا مما لا يحتاج فيه إلى العرض عليها لوضوح الحكم حينئذ وإن كانت لظواهره المختلف فيها فهذا لا يناسب ما اشتملت عليه من التأكيد والتشديد وأن المخالف زخرف وباطل لا سيما بعد القول بجواز تفسير الكتاب بخبر الواحد وتخصيصه به و خصوصا عند من منع حجية ظواهر الكتاب ما لم يرد تفسيرها في الخبر مع أن الاحكام المستنبطة من الكتاب التي لها تعلق بالمقام ليست إلا أقل قليل فلا وجه لتقديم العرض عليه وإن كان ذلك بالنسبة إلى الآيات الدالة على أصالة البراءة والإباحة فهي وإن تكثر فروعها في الاحكام إلا أن مخالفتها مما لا يوجب التأكيد المذكور بل تجوز مخالفتها بخبر الواحد وغيره سيما عند من منع من حجيتها وذهب إلى التوقف والاحتياط وفيه أن المستفاد من أخبار العرض تطلب الحكم من الكتاب بالتفحص في آياته والتدبر فيما يحتمل تعلقه منها بالحكم المبحوث عنه فإذا وجد فيها ما يوافق أحدهما بالنص أو الظهور أخذ به وترك الاخر ولا يرد على ذلك شئ من المناقشات المذكورة إذ مجرد كون الحكم مذكورا في نص الكتاب لا يوجب اطلاع الفقيه عليه لا سيما بالنسبة إلى أهل الصدر الأول و من قاربهم حيث إن المباحث الفقهية لم تكن عندهم مدونة ولا مداركها محررة ومبينة وكون الدلالة ظاهرة لا يوجب الاختلاف في ظهورها مع أن الكلام بالنسبة إلى من عرف الظهور ولا ينافيه ما اشتملت عليه من التشديد والتأكيد لوجوب العمل بظاهر الكتاب كصريحه واحتمال المخالفة للواقع لا ينافي ذلك لتطرقه إلى صريح الكتاب أيضا نظرا إلى جواز كونه منسوخا وقد جاء مثل هذا التأكيد والتشديد في الرد على الحاكم مع قيام الاحتمال المذكور في حقه أيضا وفي نقض اليقين بالشك مع احتمال المخالفة هناك أظهر ولا فرق في ذلك بين القول بحجية الكتاب مطلقا وبين القول بحجية ما فسر منه خاصة أما على الأول فظاهر وأما على الثاني فلان موافقة أحد الخبرين له كاف في حجيته بناء على أن المراد بالتفسير ما يتناول ذلك مع احتمال أن يلزم بحجية الخبر الموافق لما يقتضيه ظاهر الكتاب بحسب القوانين اللغوية وإن منع من حجيته كالخبر الموافق للشهرة وكذا لا فرق بين القول بجواز تفسير الكتاب بخبر الواحد و تخصيصه به وبين القول بعدمه لان ذلك في صورة عدم المعارض و الكلام هنا في صورة وجوده ودعوى أن الكتاب مشتمل على أحكام قليلة جدا ممنوعة لاشتماله على عمومات كثيرة سارية في كثير من مباحث الفقه كطهورية الماء وحلية البيع وحرمة الربا ولزوم العقود وحلية المطعومات ما عدا المستثنيات إلى غير ذلك فإذا تعارض الخبران وكان أحدهما يقتضي طهورية ماء أو حلية بيع أو حرمة نوع من الربا أو لزوم عقد أو حلية شئ مما عدا المستثنيات و دل الاخر على خلافه رجح الأول لموافقته لظاهر الكتاب وأما الآيات الدالة على أصالة البراءة كقوله تعالى لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها فالعرض عليها إنما يجدي في الاخبار المتعارضة في تقرير هذا الأصل في وجه وأما إذا تعارض الخبران في إثبات براءة واقعية أو نفيها في خصوص مقام فعرضهما على تلك الآيات غير مجد لتغاير المفادين نعم لو عمم العرض على الكتاب إلى العرض على الدليل المستفاد منه أمكن الشمول لكنه بعيد ومن منع حجية أصل البراءة واختار التوقف لا يلزمه الالتزام بذلك مع ورود الرواية فإن نفي الحجية لا يستلزم نفي المعاضدة ولو سلم قلة ما اشتمل عليه الكتاب من الاحكام فليس في ذلك ما يوجب عدم الاعتداد به عند ذكر وجوه الترجيح إذ وظيفتهم عليهم السلام بيان الأحكام الشرعية كثرت مواردها أو قلت وكذا
(٤٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 434 435 436 437 438 439 440 441 442 443 444 ... » »»