الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢١٥
وعموم العام دليل فلا يصلح الاستصحاب لمعارضته ولأنه لا كلام في أن ظاهر الأمر والنهي لا يعارضان باستصحاب براءة الذمة وإلا لم يثبت بمجردهما إيجاب ولا تحريم أصلا فكذلك ظاهر العام لمشاركة الجميع في كونه دليلا لفظيا مقدما على الأصول الظاهرية و لأنه لو صلح الاستصحاب دليلا على تخصيص العام لبطل الاحتجاج بالعمومات المخالفة له لوجوب قصر حكمها حينئذ على بعض لا يجوز تطرق التخصيص إليه لان القدر الثابت بها ارتفاع حكم الاستصحاب بالنسبة إلى ذلك البعض وأما بالنسبة إلى غيره فليس هناك ما يدل على رفعه إلا العموم وقد فرض عدم صلوحه له والفرق في ذلك بين الاستصحاب الموافق للأصل والمخالف له مما لا وجه له بعد اشتراك المستند وعموم أدلة حجيته نعم يستثنى من ذلك استصحاب عدم النسخ عند سبق المخصص الغير المستوعب فإنه ينهض دليلا على التخصيص بضميمة مورده لقرب التخصيص وبعد النسخ كما سيأتي وأما المقام الثاني فلا ريب في حجية الاستصحاب فيه إذا اشتمل على شرائط الحجية من غير فرق بين الموافق للأصل و المخالف له وهو مما لا خلاف فيه بين القائلين بحجيته لكنه ليس من باب تخصيص العام بالاستصحاب في شئ ومن هذا الباب ما ذكره من الأمثلة فإن عمومات البراءة إنما دلت على البراءة عند عدم قيام دليل على الاشتغال فإذا دل الاستصحاب على بقاء الاشتغال أو على بقاء موضوع يتفرع عليه الاشتغال ثبت الاشتغال وليس شأن الاستصحاب حينئذ تخصيص تلك العمومات بل تحقيق عنوان اختصت تلك العمومات بغيره وكذلك الكلام بغيره وكذلك الكلام في عمومات الطهارة وقد يتخيل أن حكمنا بنجاسة الكر الملتئم من قليلين متنجسين مبني على تخصيص عمومات طهارة الماء بالاستصحاب وضعفه يعرف مما قررناه فإن أدلة طهارة الماء منها ما يفيد طهارته الابتدائية واستدامتها يعرف بالاستصحاب فإذا دل دليل على عروض النجاسة عليه بالملاقاة أو التغيير لم يكن مخصصا لذلك العموم بل رافعا لاستمرار الطهارة المستفاد من الاستصحاب ومنها ما يفيد طهارة الماء إلى أن يعلم نجاسته ولو بدليل شرعي وهذا العام مما لا مخصص له أصلا وحيث يقوم دليل على الانفعال كان ذلك محققا لعنوان الغاية لا مخصصا لعموم المعنى نعم لو تمسكنا في الفرض المذكور بالاستصحاب في مقابلة قوله عليه السلام إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا بناء على عمومه للخبث السابق واللاحق كما هو الظاهر كان تخصيصا للعموم بالاستصحاب لكن الرواية ضعيفة غير معمولة والاستدلال بالاستصحاب هنا لضعف الدليل وقصوره عن الحجية لا لان الاستصحاب مخصص لعمومه فاتضح مما حققنا أن الفاضل المذكور قد خلط بين المقامين من حيث إن صدر كلامه يدل على مصيره إلى الجواز في المقام الأول وذيله يدل على إثبات الجواز في المقام الثاني واتضح أيضا ضعف دليله وعدم مساعدة ما استشهد به من كلام الاستصحاب على دعواه فتثبت ولا تغفل فصل إذا ورد عام وخاص وتنافيا في الظاهر فإن كانا في كلامه تعالى أو في كلام رسوله صلى الله عليه وآله أو كان أحدهما في كلامه تعالى والاخر في كلام الرسول وفي حكم اللفظ ما قام مقامه من الفعل والتقرير فلا يخلو إما أن يعلم تقارنهما أو تفارقهما بالعلم بتأخر الخاص أو تقدمه سواء علم مع ذلك تاريخ الصدور أو لا أو يجهل ذلك فهذه صور أربع الأولى أن يعلم التقارن و المراد به التقارن العرفي ولا إشكال حينئذ في وجوب حمل العام على الخاص سواء تقارنا حقيقة ولا يتصور إلا في الخاص الفعلي أو التقريري أو تقدم العام على الخاص في الذكر أو تأخر عنه بحيث لا يقدح في التقارن العرفي نعم يشترط في القسم الثاني عدم حضور وقت الحاجة قبل ورود الخاص وإلا لكان نسخا له لا محالة للبيان الآتي ولم يتعرض أحد لهذا الاستدراك ولعله لبعد الفرض الثانية أن يعلم تأخر الخاص عن العلم وحينئذ فإن علم ورود الخاص بعد العمل بالعام في مورده أو بعد حضور زمانه المعين له وإن لم يعمل به ولو ببدله إن كان له بدل عصيانا تعين كونه ناسخا لئلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة وذلك كما لو قال أكرم كل عالم أو قال أكرمهم في كل خميس أو قال في الصورتين ويقوم إكرام إخوتهم مقام إكرامهم مطلقا أو عند تعذر إكرامهم ثم قال لا تكرم زيدا العالم بعد إكرامه أو إكرام أخيه أو بعد مضي الوقت وإن خالف عاصيا نعم يعتبر أن لا يمنع من تقديم البيان مانع فإن التأخير في مثل ذلك لا يوجب النسخ وعليه ينزل إطلاق كلماتهم في المقام و نظائره وإن علم وروده قبله تعين كونه مخصصا بناء على عدم جواز النسخ حينئذ واحتملها بناء على جوازه والأظهر حينئذ ترجيح التخصيص لغلبته وندرة النسخ سيما ما كان منه قبل وقت العمل وكذا إن جهل وروده قبله سواء علم تاريخ العمل أو لم يعلم تغليبا لجانب التخصيص لما مر من غلبته وشيوعه مع احتمال تقديم النسخ فيهما نظرا إلى أصالة تأخر الحادث وأصالة مقارنته للجز المتأخر فلو كان تخصيصا لزم الاغراء بالجهل على تقديره ويمكن دفعه بأنه أصل مثبت ولا تعويل عليه هذا كله على القول بجواز تأخير البيان عن وقت الخطاب وأما على القول بعدمه فإن أجاز هذا القائل وقوع النسخ قبل حضور وقت العمل أجاز وقوع ذلك مطلقا وعلى تقدير الوقوع يتعين عنده أن يكون نسخا وإلا منع من وقوعه قبل العمل وعلى تقدير وقوعه بعده يجعله نسخا لا غير ثم لا يذهب عليك أن ما ذكرناه على هذا القول إنما يتمشى بالنسبة إلى نفس كلامه تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وآله أو ما قام مقامه من الفعل و التقرير وأما بالنسبة إلى الرواية الحاكية لذلك فيمكن اختيار التخصيص مع عدم ثبوت ورود الخاص بعد العمل بعموم العام في مورده لكونه أولى لا ينافيه عدم نقل اقتران المخصص لجواز ثبوته و ترك الراوي له غفلة أو لتجويزه تأخير البيان أو لغير ذلك ويحتمل كونه نسخا أخذا بظاهر النقل
(٢١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 ... » »»