لفظيا فإن من اكتفي بالظن بالعدم أراد به الظن بالعدم واقعا فلا ينافي قول من اعتبر القطع به ظاهرا كيف وقد تقرر عندنا أن م آل الظنون الاجتهادية إلى القطع في الحكم والعمل وأن الظن إنما هو في طريقه فصل إذا تعقب المخصص المتصل جملا أو مفردات متعاطفة وصح عوده إلى الجميع وإلى الأخيرة فلا كلام في جواز عوده إلى الأخيرة وحدها وإلى الجميع فإن كان هناك ما يوجب تعيين الكل أو البعض فلا إشكال وإلا فالأخيرة مخصوصة به قطعا وهل يختص بها أو يخص معها الباقي فيه خلاف ونحن نذكر الاستثناء المتعقب للجمل أولا كما هو المعروف في كتب القوم ثم نعقبه ببيان بقية الأقسام فنقول في الاستثناء المتعقب للجمل الصالح للعود إلى الجميع وإلى الأخيرة أقوال فذهب الشيخ والشافعية إلى أنه ظاهر في العود إلى الجميع وفسره العضدي بكل واحدة من الجمل أي كل واحدة على الشمول وكأنه يريد بذلك دفع توهم أن يكون المراد به المجموع من حيث المجموع وفيه نظر كما سنشير إليه و زعم بعض المعاصرين أن المراد كل واحدة على البدل فتوهم أن القائل برجوعه إلى الجميع يقول بأن الاستثناء مستعمل في إخراجين أو أكثر على البدلية وكأنه يريد أن قصد كل إخراج عن لفظه بدلي بمعنى أن تلك الاخراجات لا تراد منه دفعة بل على سبيل التعاقب و البدلية وإن كانت تلك الاخراجات المرادة منه على البدلية مرادة عنده في الواقع على سبيل الاجتماع لا البدلية كما يرشد إليه قوله في نحو اضرب غلماني والق أصدقائي إلا واحدا أن المعنى اضرب غلماني إلا واحدا والق أصدقائي إلا واحدا قال وإن فسر الجميع بالمجموع لكفي إخراج واحد من المجموع ولا يخفى ما فيه من التكلف المستبشع مع أنه لا يستقيم فيما إذا كان المستثنى جمعا معرفا بل التحقيق أن القائل برجوعه إلى الجميع إنما يقول بأن المراد به إخراج واحد متعلق بالجميع لا إخراجات متعددة كما سيأتي هذا و ذهب آخرون إلى أنه ظاهر في العود إلى الأخيرة وذهب السيد إلى أنه مشترك بينهما لفظا فيتوقف في تخصيص الباقي إلى قيام قرينة وتوقف بعضهم فلم يدروا أنه حقيقة في أي الامرين وهذان القولان موافقان للقول الثاني في الحكم وإن خالفاه في المأخذ حيث إن القائل بالقول الثاني يقول به لظهور عدم التناول وهو لا يقولون به لعدم ظهور التناول كذا [كما] ذكر العضدي وغيره وتوهم منه بعض المعاصرين أن المراد أن الأقوال الثلاثة متوافقة في لزوم تخصيص الأخيرة وعدم تخصيص غيرها لا في إبقاء غيرها على صفة العموم فإن عدم التخصيص أعم من القول بالعموم بل القائل باختصاصه بالأخيرة يحمل ما عداها على العموم على ما هو ظاهر اللفظ ويتوقف غيره في الحمل عليه لعدم علمه بالحال إما لتصادم الأدلة أو للاجمال الناشئ من الاشتراك ثم جعل ذلك من الثمرة المتفرعة على نزاعهم ومرجع كلامه إلى حمل الحكم في كلامهم على الحكم بتخصيص الأخيرة وعدم البناء على تخصيص ما عداها لا على الحكم المستفاد من الجمل والذي دعاه إلى ذلك ما توهمه من أن عدم التخصيص لا يستلزم بقاء اللفظ على العموم معللا ذلك على ما يستفاد من كلامه بما استفاده من أقوالهم وأدلتهم من أن النزاع في الهيئة التركيبية من الاستثناء المتعقب للجمل فقضية القول باشتراك الهيئة أنها حقيقة في الرجوع أما إلى الجميع فيلزم عدم بقاء العموم في كل واحد منها بحاله أو إلى الأخيرة فقط فيلزم بقاؤه فيما عداها بحاله وقضية القول بالوقف التردد بين الامرين فيكون اللفظ على القولين مرددا بين أن يكون المراد منه العمومات المخصوصة بناء على إرادة المعنى الأول أو العمومات الغير المخصوصة يعني ما عدا الأخيرة منها بناء على الثاني فيتعين التوقف قال والشك في أن المراد من اللفظ هل هو العام المخصص أو غيره غير الشك في أن العام مخصص أو لا ثم ذكر أن أصالة عدم التخصيص إنما يجري في الثاني دون الأول وعلله بأن كون العام مخصصا أو غير مخصص جز من مدلول اللفظ هنا وقد شك في تعيين المراد منه وهو ليس أمرا خارجا عنه فلا يمكن نفيه بأصالة الحقيقة وأصالة عدم التخصيص وجعل ذلك نظيرا للعام المخصص بالمجمل ورد بذلك على المدقق الشيرازي حيث نفي الاشكال في موافقة القولين الأخيرين للقول الثاني في الحكم المستفاد من الجمل نظرا إلى أن اللفظ يدل على العموم دلالة معتبرة ولم يتحقق عندهم ما يقتضي التخصيص إذ التقدير أن أصحاب القولين بحثوا في المسألة فلا يصرف اللفظ عن ظاهره بمجرد احتمال إرادة خلافه أقول وفيه نظر أما أولا فلان دعوى أن نزاعهم في مفاد الهيئة التركيبية فاسدة في نفسها ورميهم بها معلوم الخلاف أما الأول فلانه إن أراد أن الهيئة التركيبية أعني تعقب إلا للجمل وانضمامها بها موضوعة للاخراج على الوجه المذكور دون الأداة فهذا مع ظهور فساده مخالف لما أجمعوا عليه من أن أداة الاستثناء موضوعة للاخراج وإن أراد أن كلا منهما موضوع لذلك فهو أيضا فاسد لان المفهوم من الكلام المشتمل على الأداة إنما هو إخراج واحد ولأن في وضع أحدهما غنية عن الاخر فيبقى وضعه بلا فائدة مع أن ذلك لا يوجب أن يكون النزاع في الهيئة فقط وإن أراد أن المجموع المركب من الأداة والهيئة موضوع للاخراج دون كل منهما منفردا فهو أيضا فاسد لان الاخراج إنما يفهم من الأداة كما يفهم سائر المعاني الحرفية من أدواتها دون الهيئة ولأنه مخالف لما أطبقوا عليه من أن ذلك معنى الأداة وإن أراد أن الأداة موضوعة للاخراج والهيئة موضوعة لإفادة ربطه بالمستثنى والمستثنى منه واحدا كان أو متعددا على الوجه المذكور فهو أيضا فاسد لان الحروف على ما تقرر في محله واعترف هو أيضا به موضوعة لمعان آلية ملحوظ بها حال متعلقاتها فأدوات الاستثناء موضوعة على هذا التحقيق للاخراج الملحوظ به حال المستثنى منه باعتبار والمستثنى باعتبار فهو في
(٢٠٢)