الرسول لزم أن يعتبر فيه وجود المخاطبين واعترض عليه بأن التبليغ يتبع الخطاب فإذا كان الخطاب عاما وجب أن يكون التبليغ أيضا عاما وفيه أن مقصود المجيب بالتبليغ تبليغ الرسول بنفسه كما هو الظاهر وحينئذ فلا يتصور العموم فيه ومنها أنه تعالى خاطب الناس قبل خلقهم بقوله أ لست بربكم كما هو نص الآية فلو كان قبيحا لما وقع وضعفه ظاهر أيضا إذ لا نسلم أن الخطاب هناك للمعدومين بل للموجودين لأنه تعالى خلقهم في عالم الذر ثم خاطبهم كما يدل عليه قوله تعالى قبل ذلك وإذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وقد نطق بمضمونه جملة من الاخبار وأما ما يقال من أنا نلتزم بمثل ذلك في المقام فنقول بأنه تعالى خاطبهم بالأحكام في عالم الذر ففيه أنه خروج عن المبحث إذ الكلام في جواز تعلق الخطاب بالمعدوم والتقدير المذكور لو ثبت لا يكون منه مع أن الكلام في عمومات الخطابات الواردة في ظاهر الشريعة ودعوى أنها متوجهة إلى الموجودين في عالم الذر على وجه يتحقق به مخاطبتهم بالمعنى الذي سبق مجازفة بينة ومنها ما ورد من الامر بقول لبيك بعد قول يا أيها الذين آمنوا وقول لا بشئ من آلا رب أكذب بعد قول فبأي آلا ربكما تكذبان فإن ذلك يدل على أن القاري مخاطب بهما وإلا لما حسن قول ذلك بعدهما ورد بأن المقصود من ذلك إظهار الايمان لا جواب الخطاب بدليل عدم استحبابه عقيب يا أيها الناس واستحبابه عقيب يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم وفي الاستشهاد بالآية الأخيرة نظر لامكان تعميم حكمها لا سيما بالنسبة إلى قوله ولا تجهروا له بالقول والأظهر في الجواب أن يقال ما دل على استحباب المتكلم بذينك اللفظين لا صراحة له في كون اللافظ بهما مخاطبا بذينك الخطابين على الحقيقة أما في الثاني فظاهر لعدم اشتماله على ما يقتضي ذلك فإن مفاده الاعتراف بعدم كونه مكذبا وذلك لا يوجب كونه مخاطبا وأما في الأول فلجواز أن يكون المقصود منه التلفظ بذلك تنزيلا لنفسه منزلة أحد المخاطبين به بمناسبة المشاركة لهم في الحكم مع بيان كونه متهيئا للقبول مستعدا لامتثال وخص ذلك بالخطاب بيا أيها الذين آمنوا لما فيه من إظهار الايمان دون يا أيها الناس وعلى هذا ينبغي أن ينزل ما قيل من أن قول لبيك في الحج جواب عن ندأ إبراهيم عليه السلام حيث أمره تعالى بأن يؤذن في الناس بالحج ففعل هذا ومنها قوله تعالى لينذركم به و من بلغ سواء جعل جملة الموصول مرفوعة بالعطف على الفاعل أو منصوبة بالعطف على المفعول وتخصيص الاحتجاج به على الوجه الأول وهم كيف والثاني أقرب لفظا وأوفي دلالة ورد بأن الانذار بالقرآن لا يستلزم تعلق خطاباته بالمنذرين بل يجوز أن يكون لبيانه صلى الله عليه وآله مساواة غير الحاضرين لهم ومشاركتهم إياهم في ذلك بقي الكلام في ثمرة النزاع فاعلم أن بعضهم ذكر أن الثمرة تظهر في مقامين الأول في أن الخطابات الشرعية على تقدير تناولها للمعدومين لا يجب عليهم الفحص عن مداليلها بحسب عرف الموجودين ولا البحث عما فهموه بل وظيفتهم حملها على ظواهرها عندهم لان الحكيم لا يخاطب بما له ظاهر عند المخاطب ويريد خلافه من غير نصب قرينة بالنسبة إليه وأما على تقدير عدم التناول فليس وظيفتهم التعويل على ظواهرها عندهم بل يتعين عليهم أن يجتهدوا في تحصيل ما فهمه الموجودون حال الخطاب بالبحث عن مصطلحهم وعن وجود القرائن الموجبة لصرفها عن ظاهرها عندهم وعدمه لأنهم مشاركون لهم في التكليف وفيما فهموه من تلك الخطابات لا في العمل بظواهر تلك الخطابات عندهم فإن ما دل على أن حلال محمد صلى الله عليه وآله حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة وأن حكم الله تعالى في الأولين هو حكم الله في الآخرين وأمثال ذلك إنما يقتضي الشركة في التكليف لا في تعويل كل قوم على ما هو الظاهر عندهم من الخطابات الشرعية الثاني أن الخطابات المطلقة على القول بالشمول تحمل على إطلاقها في حق غير الحاضرين عند عدم ثبوت التقييد من خارج فيثبت الحكم في شأنهم من غير فرق بين أن يتحدوا في الصنف مع الحاضرين وعدمه و أما على القول الاخر فإنما يثبت الحكم في حقهم إن اتحدوا في الصنف وذلك كصلاة الجمعة حيث أمر بالسعي إليها من غير تقييد بحضور السلطان العادل أو نائبه الخاص مع تحققه في حق الحاضرين فإن جعلنا الخطاب مختصا بالحاضرين لم يكن في إطلاقه دلالة على نفي الاشتراط بذلك لتحققه في حقهم والواجب المشروط مطلق بالنسبة إلى الواجدين للشرط وإن جعلناه متناولا لغيرهم أيضا دل إطلاقه على عدم اعتبار الشرط المذكور لان منهم من لا يتحقق الشرط المذكور في حقه وإنما خصصنا الكلام هنا بالحاضرين اقتصارا على ما ذكروه وفي المقامين نظر أما في المقام الأول فلان الفرق في حجية ظواهر الألفاظ في حق السامعين بين المخاطبين منهم وغير المخاطبين أمر متضح الفساد منحرف عن منهج السداد للاجماع ظاهرا على حجية ظواهر الألفاظ في حق السامعين لهما مطلقا ولولا ذلك لم يعتبر ظواهر الأقارير والوصايا والعقود والشهادات ونحو ذلك في حق غير المخاطبين بها ولم يجز شهادتهم على شئ من ذلك ومن تتبع الاخبار تبين له أن الرواة كانوا كثيرا ما يعولون على مخاطبات الأئمة عليهم السلام لغيرهم من السائلين ودعوى اقتصارهم في ذلك على صورة حصول العلم بالمراد مجازفة واضحة ثم ما فرع على القول بالتناول من حجية ظواهر الخطابات في حقنا من غير حاجة إلى البحث والاجتهاد أوضح فسادا من سابقه فإنا بعد ما ثبت لدينا من طريان النسخ والتجوز والتخصيص والتقييد على كثير من تلك الخطابات لم يبق لنا وثوق بما نجده من تلك الظواهر قبل الفحص بل يخرج بذلك العلم الاجمالي عن حد الظهور والإفادة إلى حد الاجمال وعدم الدلالة فيجب الفحص والتتبع في معرفة تلك الموارد و التعويل في تعيينها إلى الأدلة المعتبرة وهذا أيضا مما لا فرق فيه بين المخاطبين وغيرهم وأما في الثاني فلان اعتبار
(١٨٤)