الرؤيا عبارة عن جعلها صادقة مطابقة للخارج بناء على أنه من تصديق القول بمعنى جعله صادقا لا من التصديق بمعنى الاذعان فإذن لا بد من التأويل أما في قوله أذبحك بحمله على فعل مقدمات الذبح مما أتى بها في الخارج أو بحمل التصديق على تصديق البعض أعني المقدمات فقط ولا ريب أن الثاني أنسب بالاشفاق والامتحان و حديث الفداء لأنه كان مأمورا بالاتيان بما يفعله في منامه كما يرشد إليه قوله يا أبت افعل ما تؤمر فارتكابه أولى لا يقال الأولوية ممنوعة إذ يلزم على هذا التقدير ارتكاب التخصيص أو النسخ فيما دل على كونه مكلفا بفعل ما يراه في منامه ولا يلزم ذلك على التقدير الأول لأنا نقول لا نسلم لزوم ذلك لجواز أن يكون مأمورا بذلك على تقدير عدم ورود الامر بالبدل لكن لما خفي ذلك على إبراهيم امتحانا له في أمر ولده وجب عليه بحسب الظاهر أن يقدم على ذبحه فإن الأنبياء كما يكلفون بالأحكام الواقعية كذلك قد يكلفون بالأحكام الظاهرية فكأن الامر بالفداء أو المجئ به كاشفا عن عدم تعلق الامر بالذبح به واقعا فلا يلزم شئ من المحذورين وعلى هذا البيان يساعد لفظ الفداء إذ المتبادر منه سقوط الحكم عن المفدي عنه بسببه و العجب من المعترض المذكور أنه بعد أن رد الجواب المذكور بما مر و جوابا آخر بظاهره التزام بمقالة الخصم حكاه عن بعضهم وهو أن ذلك من باب البدأ الذي تقول به الشيعة قال فالأولى جعل ذلك من باب النسخ والقول بجوازه قبل العمل أو من باب إرادة العزم و التوطين وظاهر أن الجواب الأول راجع إلى تسليم كلام الخصم على ما عرفت والثاني راجع بظاهره إلى الوجه الذي اعترض عليه الرابع أن الامر كما يحسن لمصالح في المأمور به كذلك يحسن لمصالح في نفس الامر كما في المقام فإن المأمور حيث لا يعلم انتفاء الشرط يتعين عليه الاقدام على الامتثال فإن أقدم استحق بذلك اللطف و الكرامة وإن استنكف استحق الخذلان والمهانة وكذلك قد يقصد به استخبار حال المأمور أو غيره من الانقياد وعدمه أو غير ذلك وأجاب عنه في المعالم بأنه لو سلم فالطلب هناك ليس للفعل بل للعزم عليه والانقياد إليه فيخرج عن محل النزاع ولا يخفى أنه تعسف بل الظاهر في مثله أن يحمل الامر إما على الامر الصوري أو المشروط كما عرفت والثاني أظهر وقوله لو سلم كأنه إشارة إلى أن جواز الاستعمال المذكور في محل المنع ولو عند من منع تأخير البيان عن وقت الخطاب فإن هذه اللفظة كثيرا ما تستعمل للتنبيه على مثل ذلك وليس غرضه المنع من جواز ذلك الاستعمال عنده كما استظهره بعض المعاصرين منها إذ مستند المنع منحصر في لزوم الاغراء بالجهل كما تمسك به شارح التهذيب وهو لا يقول به كما نص عليه في مبحث التخصيص وغيره ثم لا يخفى أن هذا النزاع من جزئيات النزاع في جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب فلا يناسب إيراده في المقام بهذا العنوان كما فعله البعض واعلم أن الفاضل المعاصر أجاب عن الحجة المذكورة بأنه خروج عن المتنازع فيه وتوجيهه أن المراد من الامر حينئذ لا يكون نفس المأمور به بل المصالح المترتبة على الامر فيكون مجازا والنزاع المعروف إنما هو فيما إذا كان المراد نفس المأمور به وهذا التوجيه وإن لم يصرح به لكنه مستفاد من تحريره لمحل النزاع ومن مساق كلماته وضعفه ظاهر لان إرادة نفس الفعل لا تنافي إرادة تلك المصالح فإن تلك المصالح في الحقيقة تترتب على إبراز تلك الإرادة وكذا لا يلزم التجوز في لفظ الامر إذ ليس مستعملا حينئذ في طلب تلك المصالح بل في طلب نفس المأمور به مع أن من جملة المصالح الاختبار والامر به غير معقول و قصد ترتب تلك المصالح لا يوجب استعمال اللفظ فيه وهذا ظاهر جدا فصل الحق أنه إذا نسخ الوجوب المستفاد من الامر [لا يوجب] لا يبقى معه الدلالة على الجواز وأن الجواز الثابت في ضمن الوجوب لا يبقى بعد نسخه وفاقا لأكثر المحققين نعم نقول بثبوت الجواز بمعنى الإباحة في غير العبادات و في غير ما يحكم العقل بتحريمه ظاهرا عند عدم دليل على خلافه كالحد بالنظر إلى الأصول والقواعد المقررة سواء كان الفعل المأمور به متصفا بغيرها قبل الاتصاف بالحكم المنسوخ أو لا وأما إذا كانت عبادة وقصد بها القربة فلا ريب في حرمته من حيث التشريع و ما قيل من أنه يرجع إلى الحكم السابق على الوجوب فهو على إطلاقه غير مستقيم لان الحكم السابق على الوجوب قد يكون غير الإباحة وظاهر أن نسخ الوجوب بمجرده لا يقتضي عوده ويمكن تنزيله على ما ذكرناه لتقدم الإباحة عليه في مواردها أيضا ثم خالف قوم فحكموا ببقاء الجواز والظاهر أنهم أرادوا به الجواز بالمعنى الأعم كما صرح به بعضهم بقرينة لفظ البقاء ويساعد عليه ظاهر الاستدلال الآتي ويمكن أن يكون المراد به الجواز بالمعنى الأخص كما نص عليه بعض المتأخرين ولا بد حينئذ من حمل كلماتهم على أن الامر والنسخ يقتضيان ذلك والاستدلال الآتي وإن وفي بإثباته أخيرا إلا أن مساقه أولا يدل على إرادة المعنى الأول ثم منهم من ذهب إلى أنه يقتضي الاستحباب لنا أن الجواز بكلا نوعيه حكم شرعي يستدعي إثباته بدليل أن يكون ذلك الدليل صالحا للدلالة عليه وليس في الامر المنسوخ ولو مع النسخ دلالة عليه لما سنبين من بطلان ما تمسك به الخصم في إثبات دلالته عليه وعدم ما يصلح له سواه و لنا أيضا أنه لو دل لفظ الامر عليه كما يراه الخصم لكانت دلالته عليه بالتضمن باعتبار زمان وبالمطابقة باعتبار زمان آخر [وهو غير جائز] و بعبارة أخرى لكان تمام ما استعمل فيه الامر معنى حقيقيا باعتبار زمان ومعنى مجازيا باعتبار زمان آخر وهو لا يستقيم مع اتحاد الاستعمال وببيان أوضح إما أن يكون المدلول المراد من الامر حينئذ الكل أو البعض أو كليهما على الاستقلال والأول يوجب ارتفاع المدلول بارتفاع بعض المعنى ضرورة أن الكل ينعدم بانعدام الجز فترتفع الدلالة لظهور أنها أمر نسبي بين اللفظ والمعنى يمتنع وجودها بدون طرفيها والثاني يوجب أن يكون المستعمل فيه هو الجز دون الكل وهو خلاف الفرض والثالث يقتضي استعمال اللفظ في معناه الحقيقي والمجازي وقد مر فساده و على تقدير صحته لا يصار إليه إلا بالقرينة الدالة على إرادتهما والتقدير انتفائها ولا يتوجه النقض بنسخ الحكم عن بعض أفراد العام لان
(١١١)