الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ١١٢
إما إلى بيان ما أراده أولا فلا يلزم تعدد المراد أو إلى رفع ما ثبت بالدلالة دون الدلالة فلا يلزم تعدد الدلالة ولا المدلول وأما أن الجواز الثابت في ضمن الوجوب لا يبقى بعد نسخه فلانه متقوم فيه بفصل المنع من الترك وسنبين فإن زوال الفصل مستلزم لزوال الجنس احتج القائلون ببقاء الجواز بأن المقتضي للجواز موجود وهو المقتضي للوجوب لأنه جزؤه والمقتضي للمركب مقتض لاجزائه و لا مانع منه بحكم الأصل والفرض إلا ما تخيله الخصم من نسخ الوجوب وهو لا يصح مانعا لان رفع المركب يتحقق برفع بعض أجزائه فيكفي في رفع الوجوب رفع أحد جزيه أعني المنع من الترك فيبقى بقاء الجواز بلا مانع لا يقال جواز الفعل جنس للوجوب كما أن المنع من الترك فصل له ولا نسلم بقاء الجنس بعد انعدام الفصل لان الفصل علة لوجود حصة من الجنس معه كما صرح به جماعة من المحققين والمعلول ينتفي بانتفاء علته لأنا نقول إنما يتوقف الجنس في الوجود والبقاء على فصل ما لا على فصل بخصوصه ولا ريب أنه إذا انعدم الفصل الأول أعني المنع من الترك تحقق جواز الترك إذ لا مخرج عنها وهو فصل الإباحة فيقوم به جنس الوجوب الذي هو الجواز والاذن في الفعل فيتحقق الإباحة والتعليل بأن الفصل علة لوجود الجنس عليل لان الجنس والفصل موجودان في الخارج بوجود واحد و لولاه لما صح الحكم بأن أحدهما عين الاخر كما هو مفاد الحمل فلا يعقل التوقف والعلية بينهما بل بمعنى علية الفصل للجنس أن مفهوم الفصل إذا انضم إلى مفهوم الجنس في الذهن ميزه عن إبهامه المانع من قبوله للوجود خارجا بل وذهنا إلا في مجرد الاعتبار وكان علة لتصيره نوعا مخصوصا صالحا للوجود ذهنا وخارجا وذلك لا يوجب العلية بينهما في الوجود سلمنا لكن لا نسلم أن زوال العلة يقتضي زوال المعلول مطلقا بل إذا لم يقم مقامه علة أخرى وقد بينا قيام فصل الإباحة مقام فصل الوجوب فلا وجه لزوال الجنس مع أنه يكفي احتمال تحقق الفصل ولا حاجة إلى إثباته وأصالة عدمه لا يعارض أصالة بقاء الجنس لكونه أصلا مثبتا وهو غير معتبر كما سيأتي بيانه في محله فإن قيل كما يمكن نسخ الوجوب برفع أحد جزءيه أعني المنع من الترك كذلك يمكن برفع المجموع وبرفع الجز الاخر المستلزم لرفعه فبقاء الجنس غير معلوم حتى يستفاد الجواز من انضمام فصل جواز الترك إليه قلنا لا ريب في أن النسخ يقتضي رفع المنع من الترك ورفع الجواز غير معلوم فيستصحب بقاؤه إذ لا يختلف تحصل الجنس باختلاف الفصول المنضمة إليه لا يقال الأصل عدم التقييد والارتباط لأنه حادث فيتعارض الأصلان لأنا نقول بعد منع التعارض التقييد أمر اعتباري لا يستدعي إلا تحقق الطرفين وبعد تحققهما لا وجه لعدم اعتباره إذ انتزاعه لا يتوقف على أمر آخر غير الطرفين وقد بينا وجودهما مع أن التقييد هنا معلوم الحصول و إنما الشك في تعيين القيد فيثبت بالاستصحاب واعترض عليه بعض المعاصرين بعد تسليم ذلك بأن الأصل عدم تيقن اللحوق و الانضمام وهو مستصحب غاية الامر حصول ظن باللحوق للاستصحاب ولا يقين به لا لان الانضمام في نفسه يحتاج إلى دليل بل لان اليقين بالانضمام يستدعي اليقين بثبوت المنضم إليه وهو غير متيقن لما مر من جواز تعلق النسخ بالمجموع والاستصحاب لا يوجب اليقين فيتعارض الأصلان فيتساقطان فيبقى المورد بلا حكم ثم قال و بعبارة أخرى فكما أن الأصل بقاء جز معنى الوجوب أعني الجواز فكذلك الأصل عدم تحقق الإباحة أن الأصل عدم جميع الأحكام الشرعية هذا كلامه ملخصا مشتملا على ما فيه من الاختلاف في مؤدى العبارتين وفيه ما لا يخفى لان تيقن اللحوق وعدمه من الأمور الوجدانية التي لا يشتبه أمرها في مثل المقام على ذي مسكة فلا معنى لنفيه بالأصل واستصحاب عدمه وجعل هذا الاستصحاب معارضا لاستصحاب الجواز على أنه إن أراد باليقين اليقين بالواقع فلا جدوى في نفيه إذ يتم المقصود بغيره وإن أراد اليقين بالظاهر فنفيه ممنوع لان الاستصحاب يفيد ذلك على ما سيأتي تحقيقه ثم إذا ثبت جواز الفعل والترك لزم الإباحة لا محالة إذ لا نعني بها إلا جواز الفعل والترك ولا حاجة إلى إثبات انضمام أحدهما إلى الاخر بل يكفي مجرد ثبوتهما وهذا ظاهر وبه يظهر فساد قوله الأصل عدم تحقق الإباحة على أن نسخ الوجوب لا ينفك عن ثبوت أحد الاحكام الاخر فلا يمكن نفيه بالأصل بناء على أنه ينتقض باليقين الاجمالي فيبقى استصحاب الجواز سالما عن المعارض وأما ما وقع في عبارة المعالم من أن أصالة عدم تعلق النسخ بالجميع معارض بأصالة عدم وجود القيد فيتساقطان فهو بظاهره ظاهر الفساد لان وجود القيد مقطوع به بالنسخ فلا سبيل إلى نفيه بالأصل فالوجه أن يعتبر القيد الذي نفاه بالأصل بقيد الحيثية فيرجع النفي عند التحقيق إلى القيد الجنسية دون مقيده أعني القيد فيرجع محصله إلى ما ذكرناه من أصالة عدم حصول التقييد وهذا وإن كان فاسدا أيضا كما عرفت إلا أن فساده ليس بذلك الوضوح إن قلت كل من الاذن في الفصل والاذن في الترك يشتركان بعد الانضمام بين أحكام ثلاثة كما أنهما يشتركان قبل الانضمام بين أحكام أربعة فلا يتحصل من الانضمام نوع معين بل أمر مشترك بين أنواع ثلاثة وهو أيضا مبهم يحتاج في التحقيق والوجود إلى انضمام أحد القيود الممنوعة إليه غاية ما في الباب أن يقال الاذن في الفعل المتحقق في الوجوب إذن مجرد عن رجحان الترك وطلبه فلا يتناول الكراهة لكن يبقى معه الاشتراك قبل الانضمام بين أحكام ثلاثة وبعده بين حكمين فلا يتعين لأحدهما بنفسه بل يتوقف على انضمام رجحان الفعل أو طلبه في أحدهما و عدمه في الاخر ولا ريب أن كلا من الاعتبارين أمر زائد على مفهوم الاذن في الترك فيتوقف ثبوته على قيام مقتضيه قلت يمكن دفع ذلك بوجهين الأول المنع من جزئية رجحان الفعل وطلبه الوجوب عندهم بدليل أنهم قرروا في الدليل أن ماهية الوجوب مركبة من جواز الفعل مع المنع من الترك ولم يتعرضوا الذكر رجحان الفعل و طلبه حينئذ فيكون الاذن في الفعل المتحقق في الواجب مجردا عن القيدين فيتحصل بانضمام الاذن في الترك المستفاد من
(١١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 ... » »»