وإن فارقه ببعض الوجوه المتقدمة ككون التخيير في التعييني بين متفق الحقيقة وفي التخييري بين مختلفها أو كون التخيير في التخييري مصرحا به لفظا وفي التعييني مستفادا من قرينة العقل وأما على القول بوجود الكلي الطبيعي في الخارج فهناك فرق آخر من حيث إن الطلب هنا في نفسه غير مشوب بجواز الترك إلى بدل وإنما المطلوب مأخوذ من حيث التقييد على البدلية بخلاف الواجب المخير فالبدلية مأخوذة هنا في تمامية المطلوب وفي الواجب المخير في تمامية الطلب ولو سلم تساويهما في المعنى وليس في عدم تحريرهم للنزاع الذي سبق في الواجب المخير فيه ما ينافي ذلك كما زعمه المورد المذكور إذ عدم النقل هنا لا يقتضي العدم لجواز أن يكون أحاله إلى ذلك المبحث ولو سلم فلعل أكثر القائلين بهذا الحكم متفقون على بعض تلك الأقوال فخصوا تحرير النزاع بغيره ثم اعلم أنا نفرق بين ما تعلق به الامر أعني مفاد اللفظ باعتبار الهيئة وبين ما تعلق به الطلب فالامر عندنا لا يتعلق إلا بالطبيعة من حيث هي على ما عرفت تحقيقه وتوكده بيانا وتوضيحا أن فردية الطبيعة على ما تقرر في محله إنما يكون بانضمام الوجود إليها إذ الطبائع بأسرها كليات ولا يتحصل من انضمام كلي إلى كلي ثالث فتعلق الامر بالفرد على الحقيقة يؤدي إلى طلب تحصيل الحاصل وهو محال و إن أول بأن المراد ما هو فرد بانضمام الوجود المطلوب إليه فهو التزام في الحقيقة بتعلقه بنفس الطبيعة كما لا يخفى وأما الطلب فلا يتعلق إلا بالفرد وهو الايجاد الخارجي الذي هو عين الوجود الخارجي بحسب الذات وإن غايره بحسب الاعتبار وهو فرد للوجود المطلق أعني مفهوم الكون المصدري وليس المطلوب هذا المفهوم إذ ليس تحصيل الطبيعة به ولا قدرا مشتركا بين آحاد الوجود لأنها متباينة الحقائق على ما تحقق في محله فالامر يجعل مفهوم الوجود أو الايجاد آلة لملاحظة أفراده الخارجية التي هي مجهولة الكنه و يطلب كل واحد منها على وجه يجوز تركه إلى آخر أو جملة منها على حسب ما يتعلق به قصده ثم هذا كله إنما يجري على ما هو التحقيق عندنا في مدلول الامر من أنه طلب إيجاد الطبيعة وأما إذا قلنا بأن المطلوب به الحقيقة الخارجية أو الحقيقة المقيدة بالوجود الخارجي فإن فسر بالامر أمر ثالث غير الطبيعة من حيث هي وغير الفرد وهي الطبيعة المقيدة فصل اختلفوا في جواز الامر بالشئ مع علم الامر بانتفاء شرطه فأجازه أكثر المخالفين حتى إن من متأخريهم من أجازه مع علم المأمور بالانتفاء أيضا لكن جماعة منهم نقلوا الاتفاق على عدم الجواز حينئذ وذهب أصحابنا إلى عدم جوازه ما لم يكن الامر جاهلا فيخرج عن عنوان المبحث والتحقيق أنهم إن أرادوا بالشرط شرط الامر أي شرط وقوعه وصدوره بإرجاع ضميره إليه مأخوذا بهذا الاعتبار فلا إشكال في انتفاء الامر عند انتفاء الشرط بل لا إشكال في امتناعه عند امتناع الشرط وكذا لو أخذ الامر بشرط عدم الشرط و وجهه واضح ضرورة أن المشروط عدم عند عدم شرطه فيكون المراد بالجواز حينئذ الامكان وبعدمه عدمه والحق في الصورتين الأخيرتين عدم الجواز وفي الصورة الأولى الجواز مع عدم الوقوع و لا فرق في ذلك بين تفسير الامر بالامر الواقعي والظاهري والصوري و لا بين الامر المطلق والمشروط وشئ من ذلك مما لا يقبل النزاع ولا يصلح له المقام كما لا يخفى فلا سبيل إلى تنزيل كلماتهم عليه ولو اعتبر النزاع حينئذ بالنسبة إلى الامر الظاهري أو الصوري والشرط بالنسبة إلى الامر الواقعي أو اعتبر النزاع بالنسبة إلى الامر المشروط والشرط بالنسبة إلى الامر الواقعي كان بعيدا عن ظاهر اللفظ جدا ومع ذلك فهو راجع إلى ما سيأتي وكذا يرجع إليه ما لو أريد بشرط الامر شرط تعلقه وإن أرادوا بالشرط شرط الشئ المأمور به بإرجاع ضميره إليه وهو أقرب إليه لفظا فحينئذ إن أراد المانعون أن علم الامر بانتفاء شرط المأمور به أي شرط التمكن منه يوجب أن لا يجوز الامر بالمشروط على الاطلاق بالنسبة إلى الشرط الذي علم الامر انتفاءه فالحكم على مذهب العدلية متجه والوجه فيه متضح وهو قبح التكليف بالمحال نعم يتأتى الحكم بجواز ذلك حيث يستند انتفاء الشرط إلى المكلف عند من أجاز التكليف بالمحال والحال هذه بل قد التزموا بوقوعه مع علم المأمور به أيضا فقالوا بأن من ترك المسير إلى الحج الواجب مأمور بالحج وإن ارتفع تمكنه منه ويمكن تخصيص نزاعهم هنا بغير ذلك بل نقول لا يختص الحكم بصورة العلم بانتفاء الشرط بل حال العلم أو الجهل بوجود الشرط أيضا لا يجوز الامر بالمشروط على الاطلاق بالنسبة إليه بمعنى أن يأمر ولو على تقدير أن لا يوجد الشرط المعلوم أو المجهول وجوده لأنه أيضا تكليف بالمحال وهو باطل وإن لم يكن فيه حرج على المكلف لقطع العقل بكونه سفها و لا يذهب عليك أن حمل كلمات المخالفين على تجويز مثل ذلك بعيد بل غير سديد كما يشهد به حججهم الآتية كيف والحكم بالجواز على ما عرفت مبني على جواز التكليف بالمحال وكثير منهم لا يقول به على أن القائلين به لا يقولون بوقوعه على ما قيل وهم في المقام قائلون بالوقوع ولو أرادوا بالشرط في الفرض المذكور شرط وجوبه رجع إلى القسم السابق وقريب من ذلك ما لو أرادوا المنع من جواز الامر الفعلي إلى أن ينكشف انتفاء الشرط للمأمور أو إلى زمن الانتفاء بمعنى أن يكون المأمور في عمدة التكليف بالمأمور به حقيقة أو إلى إحدى الغايتين ويكون البلوغ إليها مسقطا للتكليف الواقعي لا كاشفا عن عدمه في الواقع وإلى إثبات مثل هذا يرشد حجج المخالفين كما لا يخفى لمن تدبر لكن لا يساعد عليه ظاهر ما وقفنا عليه من كلمات أصحابنا كما يظهر من احتجاجهم على المنع و أجوبتهم عن حجج الخصم وعند التحقيق يتفرغ الكلام في ذلك على مذهب العدلية على الكلام في أن معنى الطلب هل هو الإرادة أو غيرها فلا يستقيم القول بالجواز هنا ممن لا يرى المغايرة هناك أو التزم فيه بالاستلزام ومرجع الشرط حينئذ إلى شرط بقاء التكليف وسيأتي التنبيه على ذلك في مباحث النسخ إن شاء الله وإن أرادوا أن العلم بانتفاء الشرط أي شرط التمكن من المأمور به أو شرط مطلوبيته بذلك الامر يوجب عدم جواز الامر بالمشروط ولو بتعليقه على تقدير وجود
(١٠٩)