الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ١١٤
بعده وإن استلزمه باعتبار عدم خلو واقعة عن أحد الأحكام الخمسة أيضا أو لا لكن ربما يبتني النزاع في بعض هذه التقادير على مسألة أخرى وهي أن رفع الجنس هل يقتضي رفع الفصل اللاحق له وإن تعقبه جنس يصلح للحوقه به أو لا وكذا الكلام في غير النسخ كالتعليق بالغاية نحو صم إلى الليل فإن قضية كون الليل نهاية للوجوب ارتفاعه عند ارتفاعه ورفع المركب يتحقق برفع بعض أجزائه فهل يقتضي ذلك بقاء جواز الصوم أو رجحانه بعد الليل أو لا وربما يسري الكلام من المقام إلى كل مقيد بالنسبة إلى قيده فيقال تعلق الحكم بالمقيد هل يوجب زواله عند زوال قيده أو لا كما لا يوجب زوال قيد الفصل لزوال الجنس على ما مر فيستصحب بقاؤه وذلك كما لو ترك أداء الموقت في وقته لعذر أو لغيره أو لم يتمكن من الفعل في المكان الذي أمر بأدائه فيه فعلى تقدير البقاء يتعين عليه الاتيان في غير الوقت وخارج المكان بخلاف البناء على التقدير الاخر وإليه يرجع النزاع في أن الامر بالأداء هل يقتضي الامر بالقضاء أو لا وأن من التزم بفعل في وقت معين ولم يأت به فيه فهل يجب عليه الاتيان به بعده أو لا أو التزم بما يتعلق بفرد معين كتصدق شاة معينة فهل يتسرى الحكم منه إلى نوعه أو جنسه عند تعذره أو لا إلى غير ذلك وكذا الكلام فيما لو نذر أن يصلي نافلة الفريضة في مكان لا رجحان فيه بناء على اعتبار الرجحان في النذر أو في مكان مرجوح فهل ينعقد مطلقا لان عدم اعتبار خصوصية الخاص في النذر لعدم رجحانها أو [لمرجوحيتها] مرجوحيتها وقد اعتبر في متعلقة الرجحان لا يستلزم عدم اعتبار العام الراجح لما مر أو ينعقد مقيدا لان النذر إنما تعلق به وهو راجح باعتبار حصول المطلق في ضمنه ولا يشترط في النذر رجحانه بجميع الجهات والاعتبارات [وهذا هو الحق] وأما عدم انعقاد النذر المذكور مطلقا كما يظهر من الفاضل المعاصر فمما لا وجه له في الفرض الأول ويبتني في الفرض الثاني على ما سيأتي منه في بعض مباحث النهي من أن مكروه العبادة مرجوحة مطلقا وستقف على ما فيه نعم لو نذر أن يصلي في مكان لا رجحان فيه [من غير أن يلتزم فيها] بمعنى أن لا يفعلها في غيره لم ينعقد وكذا لو أذن المولى عبده أو وكله ثم أعتقه هل يرتفع الاذن والوكالة لارتفاع الاذن الحاصل من جهة المالكية أو لا هذا والتحقيق أن إلحاق غير النسخ مما مر به قياس مع الفارق والفرق بين المقامين في غاية الوضوح لان وجود القيد معتبر في لحوق الحكم المتعلق بالمقيد به فيلزم من زواله ولا سبيل إلى استصحابه حينئذ لانتفاء ما يقتضي بقاءه وتجويز قيام قيد آخر مقامه مفيد مفاده مدفوع بأصالة عدمه وهذا بخلاف الفصل فإن وجوده وإن كان معتبرا في تقوم الجنس وتحصله إلا أنه ربما أمكن توهم بقاء الجنس عند زواله لثبوت ما يقتضي بقاءه من الامر وانتفاء المانع لنيابة فصل آخر منامه مترتب وجوده على عدم الفصل الأول كما يقتضيه حجتهم المذكورة وأما ما اشتهر بينهم من أن بطلان الخاص لا يقتضي بطلان العام فما وقفنا عليه من موارد استعماله مما لا تعلق له بالمقام وإن زعم تعلقه به لأنهم يريدون العام المتحقق في ضمن خاص آخر لا العام المتحقق في ضمن الخاص الذي ثبت بطلانه وأما مسألة بقاء وكالة العبد بعد عتقه فلا تعلق له بالمقام بل الحق أنه يتبع شاهد الحال من عموم التوكيل أو اختصاصه بصورة بقاء الملكية فصل الحق أن الامر بالشئ في وقت معين بمجرده لا يقتضي الامر به بعده مع فواته فيه لا أداء ولا قضاء وقيل بل يقتضيه قضاء وهو خيرة جماعة ولا بد أولا من [تحرير] بيان معنى القضاء ليتضح المرام فنقول قد يطلق القضاء على الحكم ومنه قوله تعالى والله يقضي بالحق و على الفعل ومنه قوله تعالى فإذا قضيتم مناسككم وعلى أداء ما فات في وقته أو محله على البدلية سواء اتحدت الهيئة كقضاء الأربع بالأربع وقضاء التشهد والسجدة أو لا كقضاء المريض والغريق بعد ارتفاع العذر وكقضاء الجمعة ظهرا فيما إذا مضى من الزوال مقدار أدائها وتمكن منها دون الظهر كما إذا اعتراه بعده ما يوجب سقوط التكليف بالظهر عنه كالجنون [في وجه] إن قيل به وأما إذا تمكن من الظهر وتركها فليس قضاء للجمعة بل للظهر لانتقال الحكم إليها وأما إطلاق القضاء على قضاء الحج الفاسد فيمكن أن يكون بالمعنى الثاني وأن يكون بمعنى استدراك ما فات وقته سواء كان على وجه البدلية أو لا والمراد في المقام هو المعنى الثالث إذا عرفت هذا فلنا أنه لا دلالة لقولنا صم يوم الخميس على صوم يوم الجمعة مثلا بإحدى الدلالات حتى إنه لو صرح بنفيه لم يكن نقضا لكلامه السابق و لا منافيا لظاهره وذلك معلوم بالرجوع إلى العرف واللغة ولنا أيضا أن الامر قد تعلق بالماهية المقيدة وزوال القيد موجب لزوال التقييد وهو موجب لزوال المقيد لان المفهوم والمتبادر منه المقيد باعتبار كونه مقيدا وقد يستدل بأنه لو اقتضاه لكان بمنزلة أن يقول صم إما يوم الخميس أو يوم الجمعة وهو تخيير بينهما فيلزم أن يكون الثاني أيضا أداء وأيضا يلزم أن لا يعصي بالتأخير لكونهما سوأ ثم لا خفاء في أن الدليلين الأولين مما لا مدفع لهما وأما الأخيران فربما يتجه عليهما ما يقال من أن للخصم أن يدعي أن الامر المذكور أمر بالصوم وبإيقاعه يوم الخميس فلما فات إيقاعه الذي هو كمال المأمور به بقي الوجوب مع نقص فيه فلا يلزم كونهما أداء ولا كونهما سواء لكن يرد عليه أمران الأول أن الدعوى المذكورة إنما يتجه من الخصم إذا ساعد عليها أدلته وظاهر لمن تأملها أن مفادها ليس متحدا الثاني أن البيان المذكور وإن اقتضى أن لا يكونا سوأ لكن لا يقتضي كون الثاني قضاء إذ يعتبر في القضاء البدلية كما عرفت وهو لا يساعد عليها أ لا ترى أن الامر في مثل أداء الدين وإزالة النجاسة عن المسجد كذلك مع أن القضاء لا يصدق عليه عند التأخير قطعا احتج الخصم بوجوه الأول أن الزمان من لوازم فعل المأمور به وليس داخلا فيه فلا يسقط باختلاله والجواب أما أولا فبالنقض بصورة التقديم فإنه غير مجز اتفاقا مع أن الكلام المذكور جار فيه وأما ثانيا فبأن البحث في الفعل المقيد بوقت مخصوص والمفهوم منه عرفا ولغة اعتبار التقييد فينتفي عند انتفائه بالضرورة الثاني أن الوقت في المقام من قبيل الاجل في الدين فكما لا يسقط الدين بتأخير الأداء فكذلك فعل المأمور به والجواب أما
(١١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 ... » »»