ب آخر الوقت بأنه لو كان الأول لعصى بالتأخير وأنه باطل بالاجماع فيتعين الاخر فإن قيل يلزم حينئذ أن لا يصح تقديم الفعل على آخر الوقت كما لا يصح لو قدم على أصل الوقت قلنا قد ثبت الصحة و الجواز هنا بالنص وغيره والتمثيل المذكور مع كونه قياسا مع الفارق منقوض بما مر من تقديم الزكاة والجواب أن معنى الواجب ليس ما يستحق العقاب على تركه مطلقا وإلا لخرجت الواجبات التخييرية عنه بل ما يستحق العقاب على تركه من غير بدل ولا عذر كما مر فلا ينافي جواز الترك في الجملة كتركه إلى بدل كما في المقام فإن إيقاع الفعل في كل جز من أجزاء الوقت بدل عن إيقاعه في بقية الأجزاء وأما ما يقال من أن ترك الفعل في بعض الوقت ليس تركا للواجب لان الفعل إنما يجب في تمام الوقت ولا ريب في استحقاق العقاب على تركه فيه ففيه أنا نقول بوجوب الفعل في كل جز فيكون تركه فيه تركا للواجب لا محالة والبيان المذكور لو تم فإنما يتم على القول بتعلق الطلب بالطبائع من حيث هي فيكون الواجب هناك أمرا كليا وحدانيا لا يصدق تركه إلا بتركه في تمام الوقت وهو عندنا بمعزل عن التحقيق كما سنشير إليه وإذا انهدم بناء هذا الأصل سقط ما فرعوا عليه من التفاصيل مع أن كلا من المتحاجين المتخاصمين قد تصدى لابطال مذهب الاخر بما فيه غنية وكفاية و اعلم أن بعض من وافقنا في الحكم المذكور كالعلامة وغيره صرح بأن الواجب الموسع ينحل إلى واجبات تخييرية ثم منهم من جعل التخيير بحسب أجزاء الزمان فذهب إلى أن معنى صل لزوال الشمس إلى غروبها أنه يجب أداء الصلاة في الجز الأول أو الثاني أو الثالث إلى آخر الوقت فجعل الفرق بينه وبين التخيير في الخصال أن التخيير هناك بين جزئيات الفعل وهنا بين أجزاء الوقت ومنهم من جعل التخيير بين أشخاص الفعل كالصلاة المؤداة في الجز الأول والمؤداة في الجز الثاني وهكذا وفرق بينه وبين التخيير في الخصال بأن التخيير فيها بين الحقائق المتخالفة وفيه بين الجزئيات المتخالفة بالشخص فقط وعند التحقيق لا فرق بين القولين في المعنى وإن عدهما بعضهم متغايرين لان التخيير تكليف فيمتنع تعلقه بأجزاء الوقت ما لم يؤخذ باعتبار إيقاع الفعل فيها فيرجع إلى التخيير بين جزئيات الفعل وتحقيق الكلام في الفرق يطلب مما أسلفناه في الواجب المخير وقد يفرق أيضا بأن الواجب في الموسع أداء الفعل في مجموع الوقت من غير ملاحظة شئ من خصوصيات الأجزاء إلا على التبعية بدليل أن لفظ الامر إنما تعلق بالمجموع دون الأجزاء نعم تعلقه بالمجموع يقتضي تعلقه بالأجزاء والجزئيات على التبعية فيستحق التخيير فيها بهذا الاعتبار وهذا بظاهره إنما يتم على القول بأن المطلوب بالامر الطبيعة من حيث هي وأن الافراد إنما تجب من باب المقدمة وفساد ذلك واضح مما يأتي تتميم زعم بعض القائلين بالتوسعة أن جواز ترك الفعل في أول الوقت أو وسطه إنما يجوز بإيقاع بدله فيه وأنه العزم على أدائه في الجز اللاحق منه أما الأول فلانه لولاه لم ينفصل عن المندوب لا سيما إذا فاجأه المانع وأما الثاني فللاجماع على عدم بدلية غيره على تقدير وجوب البدل وضعفه ظاهر لأنه إذا صح عدم منافاة جواز ترك الواجب إلى بدل في وجوبه كما هو مبنى القول بالتوسعة فلا فرق بين مقارنة وقوع البدل لزمن المبدل منه وعدمها إذ لا يعقل للمقارنة أثر في البدلية فيكفي بدلية الفعل في الوقت اللاحق ولا حاجة إلى بدلية العزم ولا يقدح مفاجأة المانع إذ الواجب على ما يساعد عليه التحقيق وهو ما لا يجوز تركه من غير بدل ولا عذر والجهل بمفاجأة المانع عذرا إذا كان مع الاذن في التأخير فلا ينافيه جواز ترك الفعل معه وقد يستدل أيضا بأن الواجب قبل الوقت جائز الترك لا إلى بدل فلو جاز تركه بعد دخول وقته من غير بدل وهو العزم أيضا لساوى نسبة الواجب إلى الوقت وما قبله وضعفه أيضا ظاهر لان الواجب يصح فعله في الوقت ولا يجوز تركه مع العلم بمفاجأة المانع بخلاف ما قبل الوقت ثم إنه قد أورد على القول المذكور بوجهين الأول القطع بأن فاعل الصلاة مثلا إنما يتمثل لكونها صلاة بخصوصها لا لكونها أحد الامرين كما هو شأن الامتثال بالواجبات التخييرية واعترض عليه بأن قصد البدلية غير لازم على تقدير ثبوتها فإن هذه البدلية راجعة إلى بدلية الصوم عن العتق لا بدلية التيمم عن الوضوء وقصد جهة البدلية لا يعتبر في مثله وفيه أن ليس المقصود أنه يلزم قصد جهة البدلية على التقدير المذكور بل المقصود أنه يلزم أن يكون جهة الامتثال ومنشؤه في الواقع كون الصلاة أحد الامرين كما هو الشأن في الواجبات التخييرية عند المورد وأن القطع بخلافه نعم يرد عليه أن دعوى القطع بالخلاف غير مسموعة عند الخصم و قد يعتذر بأن البدل هنا تابع ومسبب عن ترك مبدله الواجب أصالة كتحصيل الظن بالواجب الكفائي فلا يلزم أن يكون الامتثال من جهة أنه أحد فردي الواجب تخييرا ولا يخفى أن العزم على هذا البيان يخرج عن كونه واجبا مخيرا بينه وبين فعل الواجب اصطلاحا كما سننبه عليه وكلام المستدل مبني على هذا التقدير إذ لا جدوى لما ذكره في المقام فإن الواجب المسبب عن ترك واجب آخر واجب مستقل ولا يصلح للبدلية عنه كوجوب الانفاق على العبد عند ترك عتقه الواجب على وجه التخيير بينه وبين الصوم فإنه لا يصلح للبدلية عن العتق ولا أثر له في صحة مجامعة جواز تركه مع الوجوب الثاني أن قضية البدلية مساواة البدل للمبدل منه وهي منتفية هنا لتعدد البدل دون المبدل منه وأيضا لو كان العزم بدلا لسقط الواجب بعده وإلا لزم لزوم الجمع بين البدل و المبدل منه وهو ينافي معنى البدلية وقد يجاب بأن العزم بدل قبل الضيق لا مطلقا وهو كما ترى لان الفعل في مجموع الوقت إنما يجب مرة واحدة فوقوعه في كل جز من الوقت بدل عن وقوعه في بقية الأجزاء فإذا كان العزم في أول الوقت مثلا بدلا عن إيقاع الفعل فيه و التقدير أن إيقاعه فيه بدل عن إيقاعه في بقية الوقت لا جرم يقوم العزم في أول الوقت مقام الفعل في مجموع الوقت ضرورة أن بدل البدل بدل كالمبدل فيلزم ما ذكر من سقوط الواجب بمجرد العزم نعم يمكن التفصي عن ذلك بوجه آخر وهو أن من قال ببدلية العزم لا يجعله بمجرده بدلا عن الواجب بل إما أن يجعل العزم على أداء الفعل في الوقت الثاني مع أدائه فيه بدلا عن أدائه في الوقت الأول أو يجعل خصوصية الوقت الثاني مع العزم بدلا
(١٠٥)