على التقدير المذكور وعند التحقيق لا يشتمل الأكثر على ماهية الأقل على الوجه الذي يتصف بالوجوب ومعه لا يتوجه شئ من الاشكالات وهل العبرة حينئذ بمطلق الزيادة أو بتمام القدر الزائد وجهان أظهرهما الثاني لان الظاهر من المقابلة كون الأقل مأخوذا بشرط عدم وقوع الاخر فقط لا عدم ما زاد عليه مطلقا وحيث تقوم قرينة على إرادة وجوب الأقل لا بشرط ولم يعتبر النية في تعيين الأقل خرج التخيير عن كونه تخييرا حقيقيا فيتعين أن يكون الأقل واجبا على التعيين والزيادة مندوبة إن لم يتحدا في الخارج وجودا كالتخيير بين مطلق الذكر وذكر خاص وكالتخيير بين مطلق الشئ و مقيده لما سنحققه من أن تضاد الاحكام يمتنع من اجتماع فردين منها في مورد واحد والظاهر أن الامر بالأكثر حينئذ للأفضلية أو يتحدا زمانا مع كون الزيادة من جنس الأقل المأمور بأحد أفراده لا على التعيين كالتخيير بين إطعام فقير أو فقيرين إذا أطعمهما دفعة لما مر من وقوع كل منهما حينئذ على وجه الوجوب فالوجه أن يكون الامر بالأكثر حينئذ للقدر المشترك إن شاع صورة الاتحاد في الزمان و إن ندر الاتحاد فالوجه أن يحمل على الاستحباب كما أن الوجه في عكسه الحمل على الوجوب ولا فرق فيما يتعين فيه الأقل للوجوب والزيادة للندب بين أن يقعا دفعة كالتخيير بين عتق عبد و أمة إذا أعتقهما معا أو على التدريج كالتخيير بين نزح ثلاثين وأربعين وذلك لامتناع الحمل على الوجوب حينئذ أما في الصورة الأولى فلان المكلف إذا أتى بالأكثر فقد أتى بالأقل أيضا على الوجه الذي يتصف بالوجوب فإن اتصف أحدهما بالوجوب بالخصوص لزم وقوع الترجيح من غير مرجح لتساويهما في مطابقة الامر وموافقته وإن اتصف كل منهما بالوجوب لزم أن يكون المكلف آتيا بواجبين وهذا مخالف للفرض من حيث إن التقدير كون الأكثر أحد الآحاد مع أنهما إن كانا واجبين تعينيين أو كان أحدهما واجبا تعينيا خرج عن محل الفرض وإن كانا تخييريين فليس معادل الأقل إلا الأكثر لأنه المفروض فيلزم التخيير بين الشئ ونفسه لتحققه فيه وأما في الصورة الثانية فلان وقوع الأقل إن قضى بسقوط التكليف كان قضاء الاخر به أيضا تحصيلا للحاصل وإن لم يقض به خرج عن كونه أحد آحاد الواجب المخير لان قضية ذلك سقوط التكليف بمعادله ولا فرق في ذلك بين أن يكون الزيادة من جنس الأقل وغيره ولا بين أن يقع قبل وقوع الأقل وبعده [ولا في الثاني بين أن يقع قبله أو معه أو بعده ولا في الأول بين المعين وغيره] و حينئذ فيتعين أن يكون الامر بالأقل للوجوب التعييني وبالأكثر للقدر المشترك أو للندب لان المركب من الواجب والمندوب راجح يجوز تركه ولو لجواز ترك أحد جزئيه ولا ينافيه ما قيل من أن المركب من الداخل والخارج خارج لان المراد خروجه من شخص ما تركب منه لا من جنسه ولا بد حينئذ من التأويل في التخيير إذ لا معنى للتخيير بين الواجب ونفسه أو بينه وبين المندوب إذ الظاهر حمل الامر بالأكثر على الأفضلية ومثله ما لو ورد التخيير بين المطلق والمقيد كأعتق عبدا أو عبدا مؤمنا وإلا فالامر كما مر هذا ما يساعد عليه النظر الصحيح وفي المقام أقوال أخر منها أن التخيير بين الأقل والأكثر مطلقا يقتضي وجوب كل واحد منهما لظاهر الامر و منها أن الزيادة مندوبة مطلقا لأنها مما يجوز تركها ومنها ما نقله بعض المعاصرين بعد نقل القولين المتقدمين واستظهره وهو أنه إن كان حصوله تدريجيا بحيث يوجد الناقص قبل الزائد فالواجب هو الأقل لحصول الامتثال به وإلا فكل واحد منهما واجب لأنه فرد من الواجب وأنت إذا أحطت خبرا بما بيناه وقفت على ما فيه وفي سابقيه من الضعف والسقوط فصل ينقسم الواجب ببعض الاعتبارات إلى موقت وغير موقت فالمؤقت ما عين له وقت كالصلاة اليومية و غير الموقت بخلافه كالصلاة المقضية وقد يوقت بعض الواجب دون بعض كصلاة من أدرك ركعة من الوقت بناء على أن ما أتى به خارج الوقت لا وقت له ولا بد من كون الوقت بحيث يسع لأداء الموقت فإن ساواه فمضيق وإلا فموسع ولا نزاع في جواز الأول ووقوعه على ما حكاه بعضهم والتحقيق أن ذلك إنما يستقيم إذا حمل المساواة على العرفية أو أخذت الدعوى جزئية فيصح في مثل الصوم دون مثل الصلاة فإن تحصيل المقارنة الحقيقية فيها لجز معين من الوقت كأول الزوال دائما متعذر وتحصيل العلم أو الظن به ولو مرة ممتنع عادي اللهم إلا أن يتسامح في طريقه كأن يكتفي فيه بمجرد عدم العلم بالخلاف وأما الثاني أعني الواجب الموسع فالحق جوازه عقلا و وقوعه شرعا وخالف في ذلك جماعة فأحالوه عقلا فمنعوا من وقوعه شرعا وحاولوا تأويل الأوامر التي بظاهرها تفيد التوسعة فخص الوجوب بعضهم بأول الوقت وآخرون ب آخره وهم بين قائل بأن الاتيان به في أول الوقت نفل يسقط به الفرض كتقديم الزكاة على القول به وبين قائل بأن تقديمه يقع مراعى فإن بقي المكلف فيه على صفات التكليف تبين أن ما أتى به كان واجبا وإلا كان نفلا وهذا القول بظاهره لا يستقيم على أصله من امتناع التوسعة في وقت الواجب لان وقوع الواجب في صورة التقديم مراعى إنما يتم إذا كان وجوبه فيما قبل آخر الوقت مشروطا بكون المكلف بحيث يدرك آخر الوقت بصفات التكليف فيلزمه القول بالتوسعة على تقدير حصول الشرط إذ لم يعين للفعل وقتا غير الاخر وهذا واضح لنا على جوازه عقلا عدم ما يقتضي خلافه لما سنبين من بطلان ما تمسك به الخصم وعدم ما يصلح له سواه وعلى وقوعه شرعا تعلق بعض أوامر الشرع بالفعل في زمن يفضل عنه كأمره بإقامته الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل إذ ليس المراد استيعابه بالفعل بتكريره فيه أو بتطبيق طرفيه على طرفيه بالاتفاق بل بمجرد إيقاعه فيه و جميع الأجزاء متساوية بالنسبة إليه فتعيين الأول أو الاخر خروج عن ظاهر اللفظ من غير دليل احتجوا بأنه لو لم يتعين وقت الفعل لجاز تركه من وقت إلى آخر فيلزم جواز ترك الواجب وأنه ينافي الوجوب فيتعين أن يكون الوجوب في وقت لا يجوز تركه فيه وهو إما أول الوقت أو آخره إذ لا قائل بالواسطة ثم احتج من خصه بأول الوقت بأنه لو كان الاخر لما برئت ذمته بأدائه في الأول وأنه باطل بالاجماع فيتعين الأول لكنه إذا عصى وأتى به قبل خروج الوقت استحق العفو لما ورد من أن أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله لا يقال لو صح ذلك لكان المصلي في آخر الوقت قاضيا وأنه باطل بالاجماع لأنا نقول عدم جواز التأخير لا يوجب صيرورة الفعل قضاء كما في صورة نذر التقديم واحتج من خصه
(١٠٤)