الخاص وإلا لكان جميع المباحات مكروهة لاستيعاب المندوبات المضادة لها تمام العمر وليس بشئ لان الكراهة النفسية والغيرية غير لازمة إذ غاية ما يلزم من قاعدة الضدية رجحان تركها للتوصل به إلى فعل المندوب وهذا مما لا إشكال فيه وإنما الاشكال في وقوع المباحات مكروهة أي متصفة بالمرجوحية وهو غير لازم في غير سبب ترك المندوب كما يظهر مما حققناه في معنى الوجوب الغيري مع أن المعتبر في الكراهة ليس مجرد المرجوحية وإلا لكان تارك كل مندوب فاعلا لمكروه هو تركه ولا خفاء في فساده بل المرجوحية الموجبة لمنقصة دينية في فاعلها غير محرمة ولا ريب أن مجرد تفويت الثواب أو ترك الراجح لا يوجب ذلك وبهذا يظهر الفرق بين الترك المكروه وخلاف الأولى فصل إذا تعلق الامر بشيئين أو أشياء على التخيير كما في خصال الكفارة فالحق أن كل واحد منها واجب على التخيير بمعنى أنه واجب يجوز تركه إلى الاخر وهذا هو المعروف بين أصحابنا وذهبت الأشاعرة إلى أن الواجب فيه واحد لا بعينه و استظهر العلامة وغيره تبعا للفخر الرازي عدم الفرق بين هذا القول و القول المتقدم معنى وهو بعيد لان الواجب على القول الأول كل واحد بعينه لا على التعيين لا واحد لا بعينه كما هو نص القول الثاني على أن العضدي بعد أن اختار هذا القول صرح في أثناء الاحتجاج بأن المراد وجوب مفهوم الواحد الصادق على كل واحد من مصاديقه لا بعينه أي على البدلية لا المصداق لا بعينه فيلزم التكليف بالمبهم والواجب على الأول كما عرفت نفس المصداق دون مفهوم الواحد فلا يمكن التوفيق بين القولين وحكي في المقام أقوال أخر ضعيفة منها أنه يجب الجميع ويسقط بفعل البعض ومنها أنه يجب معين ويسقط بفعله أو فعل معادله ومنها أن الواجب معين عند الله وهو ما يفعله المكلف قال العلامة وجماعة وهذا مذهب تبرأ كل من المعتزلة والأشاعرة منه ونسبه إلى صاحبه ونحن لا نبحث عن هذه الأقوال لوضوح فسادها واستغنائها عن تكلف البيان لنا أن معنى قول القائل أعتق رقبة أو أطعم ستين مسكينا طلب العتق بعينه وطلب الاطعام بعينه على التخيير وليس معناه طلب مفهوم خارج عنهما صادق عليهما على البدلية كمفهوم أحدهما فيكون ذلك مطلوبا على التعيين لان الهيئة الدالة على الطلب متعلقة بكل منهما بعينه فيكون هو المطلوب وليس في الكلام ما يكون معناه مفهوم أحدهما حتى يصح تعلق الطلب به و لفظ أو ونحوه إنما يفيد التخيير والبدلية بينهما بمعنى جواز ترك كل منهما إلى الاخر لان كلا منهما مطلوب باعتبار صدق مفهوم أحدهما عليه ولا بمعنى أن كل واحد واجب تعييني إن لم يتحقق الاخر فيلزم أن يجب الجميع تعيينا على تقدير المخالفة فيها فيكون بذلك تاركا لعدة واجبات تعيينية فيستحق المعاقبة على كل واحد منها مستقلا بل بمعنى أن كل واحد واجب يجوز تركه إلى الاخر ومثل هذا لا يستحق بحكم العقل والعادة فيه إلا عقابا واحدا على ترك الجميع نعم يصدق على الامر بالوجه المذكور أنه أمر بأحدهما أو أحدها لكن مجرد الصدق لا يقتضي العينية في المفهوم أ لا ترى أن الامر بضرب زيد يصدق عليه أنه أمر بضرب الانسان والضاحك و غيرهما من المعاني الصادقة عليه مع أنهما متغايران بحسب المفهوم قطعا وأما جواز ترك البعض في الجملة أو عدم ترتب استحقاق العقاب عليه كذلك فلا ينافي وجوبه لما عرفت من أن الواجب على ما يساعد عليه التحقيق هو ما يستحق العقاب على تركه من غير بدل و لا عذر ولا ريب أنه هنا يستحق العقاب على ترك الجميع ويمكن أن يحتج لمن قال بأن الواجب مفهوم أحدهما بأنه لو لم يكن ذلك لكان الواجب ما صدق عليه هذا المفهوم إذ لا قائل بغيرها بالفصل والتالي باطل لان ما صدق عليه أحدهما إن اعتبر مبهما امتنع وجوده فيمتنع وجوبه وإن عين كلا أو بعضا خرج عن موضع النزاع إذ لا تخيير على تقديره لا يقال الممتنع وجود المبهم في الخارج بشرط الابهام وعدم التعيين لا لا بشرط التعيين كما في المقام أ لا ترى أن النكرة موضوعة لفرد غير معين من الطبيعة فإن أخذ بشرط كونه غير معين امتنع وجوده وامتنع تعلق التكليف به وإن اعتبر من حيث ذاته أعني نفس الموصوف لا بشرط التعيين كما هو المفهوم منه أمكن وجوده وصح تعلق التكليف به فالنكرة مبهمة بالاعتبارين إلا أن منشأ إبهامها على الأول اشتراط الابهام فيها وعلى الثاني عدم اعتبار التعيين فيها والفرق واضح على أن الاشكال الأخير متجه على تقدير أن يكون الواجب مفهوم أحدهما أيضا إذ لا تخيير حينئذ في نفس الواجب والتخيير في الافراد لا يوجب صيرورة الواجب تخييريا وإلا لكانت الواجبات التعيينية المتعلقة بالطبائع الكلية تخييرية و لا قائل به لأنا نقول أما الأول فمدفوع بأن التوجيه المذكور إنما يتجه فيما إذا كان هناك أمر واحد يصلح لان يتصف بالابهام تارة و بالتعيين أخرى كما في النكرة وبدون ذلك لا يستقيم قطعا وليس هنا ما يصلح لذلك سوى مفهوم أحدهما فيتعين أن يكون هو الموصوف بالوجوب وهو المطلوب وأما عن الثاني فبأن المراد بالواجب المخير ما صرح الشارع بالتخيير فيه أو يكون التخيير فيه بين أمور متخالفة بالحقيقة وينبغي أن يراد به ما يكون كذلك إما بحسب الحقيقة أو في نظر الشارع كالاطعام والاكساء فإنهما وإن كانا من نوع البذل لكنهما يعدان في الشرع حقيقتين متخالفتين بخلاف التخيير بين إطعام زيد وعمرو فإن التغاير بينهما لمجرد الإضافة وهذا لا يتأتى في الواجبات العينية إذ التخيير بين أفرادها من قبل العقل فقط أو بين أمور لا تخالف بينها بحسب الحقيقة وهذه التفرقة مبنية على مجرد الاصطلاح فلا يتجه المشاحة فيها والأظهر عندي في الفرق أن الوجوب في الواجب المخير يتعلق بالآحاد من حيث الخصوصية المفهومية التعيينية وفي غيره يتعلق بها لا بهذه الحيثية وإنما قيدنا الخصوصية بكونها مفهومية احترازا عن اعتبار خصوص الوجود بناء على ما سنقرره في تحقيق مدلول الامر بالطبيعة فإن الامر بها لا يعد واجبا تخييريا في الاصطلاح مع تعلق الوجوب ب آحاد وجوداتها من حيث الخصوصية على البدلية فمثل أكرم زيدا أو عمرا وأكرم في يوم الخميس أو يوم الجمعة واجب تخييري وإن لم يكن هناك تخالف بالحقيقة ومثل افعل مندوبا أو راجحا ليس بواجب تخييري وإن كانت الافراد متخالفة بالحقيقة ولا
(١٠٢)