وهي العمدة في هذا الباب وبها يتمكن من رد الفروع إلى أصولها واستنباطها منها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء (1) من عباده على وفق حكمته ومراده، ولكثرة المجاهدة والممارسة لأهلها مدخل عظيم في تحصيلها، قال الله تعالى: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين (2) وفي نهج البلاغة في العهد الذي كتبه (ع) للأشتر النخعي رحمه الله حين أرسله إلى مصر (3): ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور، ولا تمحكه الخصوم، ولا يتمادى في الزلة، ولا يحصر من الفئ (4) إلى الحق إذا عرفه، ولا تشرف نفسه على طمع، ولا يكتفى بأدنى فهم دون أقصاه، أوقفهم في الشبهات، وآخذهم بالحجج، وأقلهم تبرما بمراجعة الخصم، وأصبرهم على تكشف الأمور، وأصرمهم عند اتضاح الحكم ممن لا يزدهيه اطراء، ولا يستميله اغراء، وأولئك قليل ثم أكثر تعاهد قضائه وافسح له في البذل ما يزيح (5) علته وتقل معه حاجته إلى الناس، وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك، فانظر في ذلك نظرا بليغا فإنه هذا الدين قد كان أسيرا في أيدي الأشرار يعمل فيه بالهوى ويطلب به الدنيا، الحديث، أخذنا منع موضع الحاجة. واما الاصطلاحات المنطقية فليس إلى تعلمها مزيد حاجة (6) ولذلك لم يذكره القدماء وذلك لان الفكر والاستدلال غريزتان للانسان إذ لا شك ان كل مكلف عاقل له قوة فكرية يرتب بها المعلومات وينتقل بها إلى المجهولات وان لم يعلم كيفية الترتيب والانتقالات كما يشاهد في بدو الحال من الأطفال فكما ان صاحب الباصرة يدرك المحسومات وان لم يعلم كيفية الاحساس هل هو خروج الشعاع أو انطباع الصورة في الجليدية أو غير ذلك كذلك صاحب القوة
(١٥٦)