أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٨ - الصفحة ٣١٣
في هذه نص على أن نبي الله نوحا طلب من الله إهلاك من على الأرض جميعا، مع أن عادة الرسل الصبر على أممهم، وفيه إخبار نبي الله نوح عمن سيولد من بعد، وأنهم لم يلدوا إلا فاجرا كفارا، فكيف دعا على قومه هذا الدعاء وكيف حكم على المواليد فيما بعد؟
والقرآن الكريم بين هذين الأمرين:
أما الأول: فإنه لم يدع عليهم هذا الدعاء إلا بعد أن تحدوه ويئس منهم، أما تحديهم ففي قولهم: * (يانوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنآ) *.
وقوله: * (كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر فدعا ربه أنى مغلوب فانتصر) *.
وأما يأسه منهم فلقوله تعالى: * (وأوحى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد ءامن) *.
وأما إخباره عمن سيولد بأنه لن يولد لهم إلا فاجر كفار، فهو من مفهوم الآية المذكورة آنفا، لأنه إذا لم يؤمن من قومه إلا من قد آمن، فسواء في الحاضر أو المستقبل.
وكذلك بدليل الاستقراء، وهو دليل معتبر شرعا وعقلا، وهو أنه مكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما وما آمن معه إلا قليل كانوا هم ومن معهم غيرهم حمل سفينة فقط، فكان دليلا على قومه أنهم فتنوا بالمال ولم يؤمنوا له، وهو دليل نبي الله موسى عليه السلام أيضا على قومه.
كما قال تعالى: * (ربنآ إنك ءاتيت فرعون وملاه زينة وأموالا فى الحيواة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الا ليم) *.
فأخبر نبي الله موسى عن قومه أنهم لن يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم، وذلك من استقراء حالهم في مصر لما أراهم الآية الكبرى * (فكذب وعصى ثم أدبر يسعى فحشر فنادى فقال أنا ربكم الا على) *.
وبعد أن ابتلاهم الله بما قص علينا في قوله: * (فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد
(٣١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 308 309 310 311 312 313 314 315 316 317 318 ... » »»