ولذا كان قول نوح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام * (ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا) *، كان بدليل الاستقراء من قومه، والعلم عند الله تعالى.
وقوله تعالى: * (وقال نوح رب لا تذر على الا رض من الكافرين ديارا) *، لم يبين هنا هل استجيب له أم لا؟ وبينه في مواضع أخر منها قوله: * (ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له) *.
وفي هذه السورة نفسها وقبل هذه الآية مباشرة قوله تعالى: * (مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا) * فجمع الله لهم أقصى العقوبتين الإغراق والإحراق، مقابل أعظم الذنبين الضلال والإضلال.
وكذلك بين تعالى كيفية إهلاك قومه ونجاته هو وأهله ومن معه في قوله: * (فدعا ربه أنى مغلوب فانتصر ففتحنآ أبواب السمآء بماء منهمر وفجرنا الا رض عيونا فالتقى المآء على أمر قد قدر وحملناه على ذات ألواح ودسر تجرى بأعيننا) *.
قال ابن كثير: لقد أغرق الله كل من على وجه الأرض من الكفار، حتى ولد نوح من صلبه. وهنا تنبيه على قضية ولد نوح في قوله * (يابنى اركب معنا) * إلى قوله * (فكان من المغرقين) * لما أخذت نوحا العاطفة على ولده قال: * (رب إن ابنى من أهلى) * إلى قوله: * (إنه ليس من أهلك) * أثار بعض الناس تساؤلا حول ذلك في قراءة * (إنه عمل غير صالح) *، إنه عمل ماضي يعمل أي بكفره.
وتساءلوا حول صحة نسبه، والحق أن الله تعالى قد عصم نساء الأنبياء إكراما لهم، وأنه ابنه حقا، لأنه لما قال * (إن ابنى من أهلى) * تضمن هذا القول أمرين نسبته إليه في بنوته.
ثانيا: نسبته إليه في أهله، فكان الجواب عليه من الله بنفي النسبة الثانية لا الأولى، إنه ليس من أهلك. ولم يقل: إنه ليس ابنك، والأهل أعم من الابن، ومعلوم أن نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم، والعكس بالعكس، فلما نفى نسبته إلى أهله علمنا أن نسبته إليه بالبنوة باقية، ولو لم يكن ابنه لصلبه لكان النفي ينصب عليها.
ويقال: إنه ليس ابنك، وإذا نفى عنه البنوة انتفت عنه نسبته إلى أهله، وكذلك قوله