أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٨ - الصفحة ٢٢٤
كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في عدم قتلهم، لئلا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، ولكن كان جهادهم بالقرآن لا يقل شدة عليهم من السيف، لأنهم أصبحوا في خوف وذعر يحسبون كل صيحة عليهم، وأصبحت قلوبهم خاوية كأنهم خشب مسندة، وهذا أشد عليهم من الملاقاة بالسيف. والعلم عند الله تعالى. قوله تعالى: * (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنينا عنهما من الله شيئا) *. أجمع المفسرون هنا على أن الخيانة ليست زوجية.
وقال ابن عباس: نساء الأنبياء معصومات، ولكنها خيانة دينية بعدم إسلامهن وإخبار أقوامهن بمن يؤمن مع أزواجهن ا ه.
وقد يستأنس لقول ابن عباس هذا بتحريم التزوج من نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعده، والتعليل له بأن ذلك يؤذيه، كما في قوله تعالى: * (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذالكم كان عند الله عظيما) *.
فإذا كان تساؤلهن بدون حجاب يؤذيه، والزواج بهن من بعده عند الله عظيم، فكيف إذا كان غير التساؤل وبغير الزواج؟ إن مكانة الأنبياء عند الله أعظم من ذلك.
وقوله تعالى: * (فلم يغنينا عنهما من الله شيئا) * فيه بيان أن العلاقة الزوجية لا تنفع شيئا مع الكفر، وقد بين تعالى ما هو أهم من ذلك في عموم القرابات كقوله تعالى: * (يوم لا ينفع مال ولا بنون) *.
وقوله: * (يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه) *.
وجعل الله هاتين المرأتين مثلا للذين كفروا، وهو شامل لجميع الأقارب كما قدمنا.
وقد سمعت من الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في معرض محاضرة له الاستطراد في ذلك، وذكر قصة هاتين المرأتين، وقصة إبراهيم مع أبيه ونوح مع ولده، فاستكمل جهات القرابات زوجة مع زوجها، وولد مع والده، ووالد مع ولده. وذكر حديث (يا فاطمة اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئا).
ثم قال: ليعلم المسلم أن أحدا لا يملك نفع أحد يوم القيامة، ولو كان أقرب قريب
(٢٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 ... » »»