أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٧ - الصفحة ١٣٦
وقطعهم أنه لم يمت بسبب غيره، تحققنا أنه لم يمت أصلا، وذلك السبب الذي زعموه، منفي يقينا بلا شك، لأن الله جل وعلا قال: * (وما قتلوه وما صلبوه) *. وقال تعالى: * (وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه) *.
وضمير رفعه ظاهر في رفع الجسم والروح معا كما لا يخفى.
وقد بين الله جل وعلا مستند اليهود في اعتقادهم أنهم قتلوه، بأن الله ألقى شبهه على إنسان آخر فصار من يراه يعتقد اعتقادا جازما أنه عيسى.
فرآه اليهود لما أجمعوا على قتل عيسى فاعتقدوا لأجل ذلك الشبه الذي ألقي عليه اعتقادا جازما أنه عيسى فقتلوه.
فهم يعتقدون صدقهم، في أنهم قتلوه وصلبوه، ولكن العليم اللطيف الخبير، أوحى إلى نبيه، في الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أنهم لم يقتلوه ولم يصلبوه.
محمد صلى الله عليه وسلم والذين اتبعوه عندهم علم من الله بأمر عيسى لم يكن عند اليهود ولا النصارى كما أوضحه تعالى بقوله * (وإن الذين اختلفوا فيه لفى شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه) *.
والحاصل أن القرآن العظيم على التفسير الصحيح والسنة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم كلاهما دال على أن عيسى حي، وأنه سينزل في آخر الزمان، وأن نزوله من علامات الساعة، وأن معتمد الذين زعموا أنهم قتلوه ومن تبعهم هو إلقاء شبهه على غيره، واعتقادهم الكاذب أن ذلك المقتول الذي شبه بعيسى هو عيسى.
وقد عرفت دلالة الوحي على بطلان ذلك، وأن قوله * (متوفيك) * على موته فعلا.
وقد رأيت توجيه ذلك من أربعة أوجه، وأنه على المقرر في الأصول، في المذاهب الثلاثة التي ذكرنا عنهم، ولا إشكال في أنه لم يمت فعلا.
أما على القول بتقديم الحقيقة اللغوية فالأمر واضح، لأن الآية على ذلك لا تدل على الموت.
(١٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 ... » »»