وأما القول بأن الضمير في قوله قبل موته راجع إلى الكتاب فهو خلاف ظاهر القرآن، ولم يقم عليه دليل من كتاب ولا سنة.
الوجه الرابع: هو أن القول الأول الصحيح، واضح لا إشكال فيه، ولا يحتاج إلى تأويل ولا تخصيص بخلاف القول الآخر، فهو مشكل لا يكاد يصدق، إلا مع تخصيص، والتأويلات التي يروونها فيه عن ابن عباس، وغيره، ظاهرة البعد والسقوط لأنه على القول بأن الضمير في قوله قبل موته راجع إلى عيسى فلا إشكال ولا خفاء، ولا حاجة إلى تأويل، ولا إلى تخصيص.
وأما على القول بأنه راجع إلى الكتابي فإنه مشكل جدا بالنسبة لكل من فاجأه الموت من أهل الكتاب، كالذي يسقط من عال إلى أسفل، والذي يقطع رأسه بالسيف وهو غافل والذي يموت في نومه ونحو ذلك، فلا يصدق هذا العموم المذكور في الآية على هذا النوع، من أهل الكتاب، إلا إذا ادعى إخراجهم منه بمخصص.
ولا سبيل إلى تخصيص عمومات القرآن، إلا بدليل يجب الرجوع إليه من المخصصات المتصلة أو المنفصلة.
وما يذكر عن ابن عباس من أنه سئل عن الذي يقطع رأسه من أهل الكتاب فقال إن رأسه يتكلم، بالإيمان بعيسى، وأن الذي يهوي من عال إلى أسفل يؤمن به وهو يهوي، لا يخفى بعده وسقوطه، وأنه لا دليل البتة عليه كما ترى.
وبهذا كله تعلم، أن الضمير في قوله * (قبل موته) *، راجع إلى عيسى، وأن تلك الآية من سورة النساء تبين قوله تعالى هنا: * (وإنه لعلم للساعة) * كما ذكرنا.
فإن قيل: إن كثيرا ممن لا تحقيق عندهم يزعمون أن عيسى قد توفي، ويعتقدون مثل ما يعتقده، ضلال اليهود والنصارى، ويستدلون على ذلك بقوله تعالى: * (إذ قال الله ياعيسى إني متوفيك ورافعك إلى) * وقوله * (فلما توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم) *.
فالجواب أنه لا دلالة في إحدى الآيتين البتة على أن عيسى قد توفي فعلا.