أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٧ - الصفحة ١٣٣
وإذا علمت هذا، فاعلم أنه على المذهب الأول، الذي هو تقديم الحقيقة اللغوية، على العرفية، فإن قوله تعالى: * (إني متوفيك) * لا يدل إلا على أنه قبضه إليه بروحه وجسمه، ولا يدل على الموت أصلا، كما أن توفي الغريم لدينه لا يدل على موت دينه.
وأما على المذهب الثاني: وهو تقديم الحقيقة العرفية على اللغوية، فإن لفظ التوفي حينئذ، يدل في الجملة على الموت.
ولكن سترى إن شاء الله، أنه وإن دل على ذلك في الجملة، لا يدل على أن عيسى قد توفي فعلا.
وقد ذكرنا في كتابنا: دفع إيهام الاضطراب، عن آيات الكتاب، في سورة آل عمران، وجه عدم دلالة الآية، على موت عيسى فعلا، أعني قوله تعالى: * (إني متوفيك) * فقلنا ما نصه:
والجواب عن هذا، من ثلاثة أوجه:
الأول أن قوله تعالى: * (متوفيك) * لا يدل على تعيين الوقت، ولا يدل على كونه قد مضى.
وأما عطفه ورافعك إلى، على قوله: متوفيك، فلا دليل فيه لإطباق جمهور أهل اللسان العربي، على أن الواو لا تقتضي الترتيب ولا الجمع، وإنما تقتضي مطلق التشريك.
وقد ادعى السيرافي والسهيلي، إجماع النحاة على ذلك، وعزاه الأكثر للمحققين وهو الحق خلافا لما قاله قطرب والفراء وثعلب وأبو عمرو الزاهد وهشام والشافعي من أنها تفيد الترتيب لكثرة استعمالها فيه.
وقد أنكر السيرافي ثبوت هذا القول عن الفراء وقال لم أجده في كتابه.
وقال ولي الدين: أنكر أصحابنا نسبة هذا القول إلى الشافعي.
حكاه عنه صاحب الضياء اللامع.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (أبدأ بما بدأ الله به) يعني الصفا لا دليل فيه على اقتضائها الترتيب.
(١٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 ... » »»