أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٦ - الصفحة ٢٢٣
وقال ابن قدامة في (المغني)، في شرحه لقول الخرقي: وإن أصابها في ليال الصوم أفسد ما مضى من صيامه وابتدأ الشهرين، ما نصه: وبهذا قال مالك، والثوري، وأبو عبيد، وأصحاب الرأي؛ لأن الله تعالى قال: * (فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا) *، فأمر بهما خاليين عن وطء، ولم يأت بهما على ما أمر، فلم يجزئه، كما لو وطئ نهارا ولأنه تحريم للوطء لا يختص بالنهار، فاستوى فيه الليل والنهار، كالاعتكاف.
وروى الأثرم عن أحمد: أن التتابع لا ينقطع بهذا ويبني، وهو مذهب الشافعي، وأبي ثور، وابن المنذر؛ لأنه وطء لا يبطل الصوم، فلا يوجب الاستئناف كوطء غيرها، ولأن التتابع في الصيام عبارة عن اتباع صوم يوم للذي قبله من غير فارق، وهذا متحقق، وإن وطء ليلا، وارتكاب النهي في الوطء قبل إتمامه إذا لم يخل بالتتابع المشترط لا يمنع صحته وإجزاءه، كما لو وطئ قبل الشهرين، أو وطئ ليلة أول الشهرين، وأصبح صائما، والإتيان بالصوم قبل التماس في حق هذا لا سبيل إليه، سواء بنى أو استأنف، انتهى محل الغرض من كلام صاحب (المغني)، وممن قال بهذا القول: أبو يوسف.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: هذا القول الأخير الذي هو عدم انقطاع التتابع بجماعه للمظاهر منها في ليال الصوم، هو الأظهر عندي؛ لأن الصوم فيه مطابق لمنطوق الآية في التتابع، لأن الله تعالى قال: * (فصيام شهرين متتابعين) *، وهذا قد صام شهرين متتابعين، ولم يفصل بين يومين منهما بفاصل، فالتتابع المنصوص عليه واقع قطعا؛ كما ترى. وكون صومهما متابعين قبل المسيس واجب، بقوله تعالى: * (من قبل أن يتماسا) *، لا يظهر أنه يبطل حكم التتابع الواقع بالفعل، ومما يوضحه ما ذكرنا آنفا في كلام صاحب (المغني)، من أنه لو جامعها قبل شروعه في صوم الشهرين، ثم صامهما متتابعين بعد ذلك، فلا يبطل حكم التتابع بالوطء قبل الشروع في الصوم، ولا يقتضي قوله تعالى: * (من قبل أن يتماسا) * بطلانه، والعلم عند الله تعالى.
الفرع العاشر: اعلم أنه إن جامع المظاهر منها في نهار صوم الكفارة ناسيا، فقد اختلف أهل العلم هل يعذر بالنسيان، فلا ينقطع حكم التتابع، أو لا يعذر به ويلزمه الاستئناف؟ فقال بعضهم: لا يعذر بالنسيان، وينقطع التتابع بوطئه ناسيا وهذا مذهب مالك، وأبي حنيفة، وإحدى الروايتين عند أحمد، ومن حجتهم: أن الوطء لا يعذر فيه بالنسيان. وقال بعضهم: يعذر بالنسيان، ولا ينقطع حكم التتابع بوطئه ناسيا، وهو قول
(٢٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 ... » »»