أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٦ - الصفحة ٢٢٠
والأوزاعي: متى وجد رقبة لزمه إعتاقها ولم يجز له الانتقال إلى الصيام، سواء كان محتاجا إليها أو لم يكن؛ لأن الله تعالى شرط في الانتقال إلى الصيام ألا يجد رقبة، بقوله: * (فمن لم يجد) *، وهذا واجد وإن وجد ثمنها وهو محتاج إليها، لم يلزمه شراؤها، وبه قال أبو حنيفة. وقال مالك: يلزمه؛ لأن وجدان ثمنها كوجدانها. ولنا أن ما استغرقته حاجة الإنسان، فهو كالمعدوم في جواز الانتقال إلى الصيام، كمن وجد ماء يحتاج إليه للعطش يجوز له الانتقال إلى التيمم، انتهى محل الغرض منه.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الأظهر عندي في هذه المسألة: أن الرقبة إن كان يحتاج إليها حاجة قوية؛ ككونه زمنا أو هرما لا يستغنى عن خدمتها، أو كان عنده مال يمكن شراء الرقبة منه، لكنه محتاج إليه في معيشته الضرورية أنه يجوز له الانتقال إلى الصوم، وتعتبر الرقبة كالمعدومة، وأن المدار في ذلك على ما يمنعه استحقاق الزكاة من اليسار، فإن كانت الرقبة فاضلة عن ذلك، لزم إعتاقها، وإلا فلا. والأدلة العامة المقتضية عدم الحرج في الدين تدل على ذلك؛ كقوله تعالى: * (وما جعل عليكم فى الدين من حرج) *، ونحو ذلك. والعلم عند الله تعالى.
الفرع الخامس: إن كان المظاهر حين وجوب الكفارة غنيا إلا أن ماله غائب، فالأظهر عندي أنه إن كان مرجو الحضور قريبا، لم يجز الانتقال إلى الصوم؛ لأن ذلك بمنزلة الانتظار لشراء الرقبة. وإن كان بعيدا جاز الانتقال إلى الصوم؛ لأن المسيس حرام عليه قبل التكفير، ومنعه من التمتع بزوجته زمنا طويلا إضرار بكل من الزوجين، وفي الحديث: (لا ضرر ولا ضرار)، خلافا لبعض أهل العلم في ذلك.
الفرع السادس: إن كان عنده مال يشتري به الرقبة، ولكنه لم يجد رقبة يشتريها فله الانتقال إلى الصيام؛ لدخوله في قوله تعالى: * (فمن لم يجد فصيام شهرين) *، وهذا واضح. وأما إن وجد رقبة تباع بزيادة على ثمن مثلها، ولم يجد رقبة بثمن مثلها، فلأهل العلم في ذلك خلاف: هل يلزمه شراؤها بأكثر من مثل المثل، أو لا يلزمه؟ وأظهر أقوالهم في ذلك عندي: هو أن الزيادة المذكورة على ثمن المثل إن كانت تجحف بماله حتى يصير بها من مصارف الزكاة، فله الانتقال إلى الصوم، وإلا فلا، والعلم عند الله تعالى.
الفرع السابع: أجمع أهل العلم على أن صوم شهري الظهار يجب تتابعه، أي
(٢٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 ... » »»