أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٦ - الصفحة ٢٢٦
* (مسكينا) *، وبذلك يتحقق أن الإطعام في الآية واقع على نفس العدد الذي هو ستون، فالاقتصار به على واحد خروج بنص القرءان، عن ظاهره المتبادر منه بلا دليل يجب الرجوع إليه، كما ترى. وحمل المسكين في هذه الآية الكريمة على المد من أمثلة المالكية والشافعية في أصولهم لما يسمونه التأويل البعيد والتأويل الفاسد، وقد أشار إلى ذلك صاحب (مراقي السعود)، بقوله: وإنما قلنا: إن القول بعدم إجزاء أقل من الستين هو الأظهر؛ لأن قوله تعالى: * (مسكينا) * تمييز لعدد هو الستون، فحمله على مسكين واحد خروج بالقرءان عن ظاهره المتبادر منه بغير دليل يجب الرجوع إليه، وهو لا يصح، ولا يخفى أن نفع ستين مسكينا أكثر فائدة من نفع مسكين واحد في ستين يوما، لفضل الجماعة، وتضافر قلوبهم على الدعاء للمحسن إليهم بالإطعام، فيكون ذلك أقرب إلى الإجابة من دعاء واحد، وستون جمع كثير من المسلمين لا يخلو غالبا من صالح مستجاب الدعوة فرجاء الاستجابة فيهم أقوى منه في الواحد، كما لا يخفى. وعلى كل حال، فقوله تعالى في محكم كتابه: * (فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا) *، لا يخفى فيه أن قوله: * (فإطعام ستين) * مصدر مضاف إلى مفعوله، فلفظ: * (ستين) * الذي أضيف إليه المصدر هو عين المفعول به الواقع عليه الإطعام، وهذا العدد الذي هو المفعول به للإطعام، مبين بالتمييز الذي هو قوله تعالى: * (مسكينا) *، وبذلك يتحقق أن الإطعام في الآية واقع على نفس العدد الذي هو ستون، فالاقتصار به على واحد خروج بنص القرءان، عن ظاهره المتبادر منه بلا دليل يجب الرجوع إليه، كما ترى. وحمل المسكين في هذه الآية الكريمة على المد من أمثلة المالكية والشافعية في أصولهم لما يسمونه التأويل البعيد والتأويل الفاسد، وقد أشار إلى ذلك صاحب (مراقي السعود)، بقوله:
* فجعل مسكين بمعنى المد * عليه لائح سمات البعد * الفرع الرابع عشر: في كلام أهل العلم في القدر الذي يعطاه كل مسكين من الطعام، اعلم أن العلماء اختلفوا في ذلك، فمذهب مالك أنه يعطي كل مسكين من البر الذي هو القمح مدا وثلثي مد، وإن كان إطعامه من غير البر، كالتمر والشعير، لزمه منه ما يقابل المد والثلثين من البر. قال خليل المالكي في مختصره في إطعام كفارة الظهار: لكل مد وثلثان برا، وإن اقتاتوا تمرا أو مخرجا في الفطر فعدله، انتهى محل الغرض منه.
وقال شارحه المواق ابن يونس: ينبغي أن يكون الشبع مدين إلا ثلثا بمد النبي صلى الله عليه وسلم، وهي عيار مد هشام، فمن أخرج به أجزأه، قاله مالك. قال ابن القاسم: فإن كان عيش بلدهم تمرا أو شعيرا أطعم منه المظاهر عدل مد هشام من البر، انتهى محل الغرض منه. ومذهب أبي حنيفة: أنه يعطي كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعا كاملا من تمر أو شعير. ومذهب الشافعي: أنه يعطي كل مسكين مدا مطلقا. ومعلوم: أن المد النبوي ربع الصاع، قال في (المغني): وقال أبو هريرة: ويطعم مدا من أي الأنواع كان، وبهذا قال عطاء والأوزاعي والشافعي، اه. ومذهب أحمد: أنه يعطي كل مسكين مدا من بر أو نصف صاع من تمر أو شعير، اه.
وإذا عرفت مذاهب الأئمة في هذا الفرع، فاعلم أنا أردنا هنا أن نذكر كلام ابن قدامة في (المغني) في أدلتهم وأقوالهم، قال: وجملة الأمر أن قدر الطعام في الكفارات كلها مد من بر لكل مسكين، ونصف صاع من تمر أو شعير، وممن قال مد بر: زيد بن ثابت، وابن عباس، وابن عمر، حكاه عنهم الإمام أحمد، ورواه عنهم الأثرم، وعن عطاء وسليمان بن موسى. وقال سليمان بن يسار: أدركت الناس إذا أعطوا في كفارة اليمين أعطوا مدا من حنطة بالمد الأصغر مد النبي صلى الله عليه وسلم. وقال أبو هريرة: يطعم مدا من أي الأنواع كان، وبهذا قال الأوزاعي، وعطاء والشافعي، لما روى أبو داود بإسناده عن عطاء، عن أوس أخي
(٢٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 231 ... » »»