قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: أقيس القولين الاكتفاء بكفارة واحدة، وأحوطهما التكفير عن كل واحدة منهن. وأما إن ظاهر منهن بكلمات متعددة، بأن قال لكل واحدة منهن بانفرادها: أنت علي كظهر أمي، فالأظهر تعدد الكفارة؛ لأن كل كلمة من تلك الكلمات منكر من القول وزور، فكل واحدة منها تقتضي كفارة.
قال في (المغني): وهذا قول عروة، وعطاء. وقال أبو عبد الله بن حامد: المذهب رواية واحدة في هذا. قال القاضي: المذهب عندي ما ذكره الشيخ أبو عبد الله. قال أبو بكر: فيه رواية أخرى أنه تجزئه كفارة واحدة، واختار ذلك، وقال: هذا الذي قلناه اتباعا لعمر بن الخطاب، والحسن، وعطاء، وإبراهيم، وربيعة، وقبيصة، وإسحاق؛ لأن كفارة الظهار حق لله تعالى فلم تتكرر بتكرر سببها كالحد، وعليه يخرج الطلاق. ولنا بها أنها أيمان متكررة على أعيان متفرقة، فكان لكل واحدة كفارة كما لو كفر ثم ظاهر، ولأنها أيمان لا يحنث في إحداها بالحنث في الأخرى، فلا تكفرها كفارة واحدة، ولأن الظهار معنى يوجب الكفارة، فتعدد الكفارة بتعدده في المحال المختلفة كالقتل، ويفارق الحد، فإنه عقوبة تدرأ بالشبهات، انتهى منه.
وقد علمت أن أظهر الأقوال عندنا: تعدد الكفارة في هذه المسألة. وأما إن كرر الظهار من زوجته الواحدة، فالظاهر الذي لا ينبغي العدول عنه: أنه إن كان كرره قبل أن يكفر عن الظهار الأول، فكفارة واحدة تكفي، وإن كان كفر عن ظهاره الأول، ثم ظاهر بعد التكفير، فعليه كفارة أخرى لظهاره الواقع بعد التكفير، والعلم عند الله تعالى.
المسألة السابعة عشرة: اعلم أن كفارة الظهار هي التي أوضحها الله تعالى، بقوله: * (فتحرير رقبة) * إلى قوله: * (فإطعام ستين مسكينا) *.
فروع تتعلق بهذه المسألة الفرع الأول: اعلم أن أهل العلم اختلفوا في الرقبة في كفارة الظهار، هل يشترط فيها الإيمان أو لا يشترط فيها؟ فقال بعضهم: لا يشترط فيها الإيمان، فلو أعتق المظاهر عبدا ذميا مثلا أجزأه، وممن قال بهذا القول: أبو حنيفة وأصحابه، وعطاء، والثوري، والنخعي، وأبو ثور، وابن المنذر، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، قاله في (المغني).
وحجة أهل هذا القول أن الله تعالى قال في هذه الآية الكريمة: * (فتحرير رقبة) *،