أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٦ - الصفحة ١٣٢
الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون)، ثم قال مسلم رحمه الله: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب، قالا: حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي عن سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر، فكان قائلهم يقول في رواية أبي بكر: (السلام على أهل الديار)، وفي رواية زهير: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية)، انتهى من (صحيح مسلم). وخطابه صلى الله عليه وسلم لأهل القبور بقوله: (السلام عليكم)، وقوله: (وإنا إن شاء الله بكم)، ونحو ذلك يدل دلالة واضحة على أنهم يسمعون سلامه لأنهم لو كانوا لا يسمعون سلامه وكلامه لكان خطابه لهم من جنس خطاب المعدوم، ولا شك أن ذلك ليس من شأن العقلاء، فمن البعيد جدا صدوره منه صلى الله عليه وسلم، وسيأتي إن شاء الله ذكر حديث عمرو بن العاص الدال على أن الميت في قبره يستأنس بوجود الحي عنده.
وإذا رأيت هذه الأدلة الصحيحة الدالة على سماع الموتى، فاعلم أن الآيات القرآنية؛ كقوله تعالى: * (إنك لا تسمع الموتى) *، وقوله: * (وما أنت بمسمع من فى القبور) * لا تخالفها، وقد أوضحنا الصحيح من أوجه تفسيرها، وذكرنا دلالة القرائن القرآنية عليه، وأن استقراء القرءان يدل عليه.
وممن جزم بأن الآيات المذكورة لا تنافي الأحاديث الصحيحة التي ذكرنا أبو العباس ابن تيمية، فقد قال في الجزء الرابع من (مجموع الفتاوي) من صحيفة خمس وتسعين ومائتين، إلى صحيفة تسع وتسعين ومائتين، ما نصه: وقد تعاد الروح إلى البدن في غير وقت المسألة، كما في الحديث الذي صححه ابن عبد البر عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (ما من رجل يمر بقبر الرجل الذي كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه، إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام). وفي سنن أبي داود وغيره عن أوس بن أبي أوس الثقفي، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن خير أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة وليلة الجمعة، فإن صلاتكم معروضة علي)، قالوا: يا رسول اللها كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ فقال: (إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)، وهذا الباب فيه من الأحاديث والآثار، ما يضيق هذا الوقت عن استقصائه، مما يبين أن الأبدان التي في القبور تنعم وتعذب إذا شاء الله ذلك كما يشاء، وأن الأرواح باقية بعد مفارقة البدن ومنعمة أو معذبة، ولذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسلام على الموتى، كما ثبت في الصحيح والسنن أنه كان يعلم
(١٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 ... » »»