أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٦ - الصفحة ١٣١
بعضهم على بعض، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إليهم، فقال: (يا فلان ابن فلان، ويا فلان ابن فلان، هل وجدتم ما وعدكم الله ورسوله حقا؟ فإني قد وجدت ما وعدني الله حقا)، قال عمر: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها؟ قال: (ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا علي شيئا). حدثنا هداب بن خالد، حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك قلتي بدر ثلاثا ثم أتاهم، فقام عليهم فناداهم، فقال: (يا أبا جهل بن هشام، يا أمية بن خلف، يا عتبة بن ربيعة، يا شيبة بن ربيعة، أليس قد وجدتم ما وعدكم الله حقا، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا)، فسمع عمر قول النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللها كيف يسمعوا وأنى يجيبوا، وقد جيفوا؟ قال: (والذي نفسي بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا)، ثم أمر بهم فسحبوا، فألقوا في قليب بدر. ثم ذكر مسلم بعد هذا رواية أنس عن أبي طلحة، التي ذكرناها عن البخاري، فترى هذه الأحاديث الثابتة في الصحيح عن عمر وابنه، وأنس، وأبي طلحة رضي الله عنهم، فيها التصريح من النبي صلى الله عليه وسلم بأن الأحياء الحاضرين ليسوا بأسمع من أولئك الموتى لما يقوله صلى الله عليه وسلم، وقد أقسم صلى الله عليه وسلم على ذلك ولم يذكر تخصيصا، وقال مسلم رحمه الله في (صحيحه) أيضا: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا يونس بن محمد، حدثنا شيبان بن عبد الرحمان، عن قتادة، حدثنا أنس بن مالك، قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم)، قال: (يأتيه ملكان فيعقدانه) الحديث، وفيه تصريح النبي صلى الله عليه وسلم بسماع الميت في قبره قرع النعال، وهو نص صحيح صريح في سماع الموتى، وظاهره العموم في كل من دفن وتولى عنه قومه، كما ترى.
ومن الأحاديث الدالة على عموم سماع الموتى، ما رواه مسلم في صحيحه: حدثنا يحيى بن يحيى التميمي، ويحيى بن أيوب، وقتيبة بن سعيد، قال يحيى بن يحيى: أخبرنا، وقال الآخران: حدثنا إسماعيل بن جعفر عن شريك، وهو ابن أبي نمر، عن عطاء بن يسار، عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما كان ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من آخر الليل إلى البقيع، فيقول: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون غدا مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الفرقد)، ولم يقم قتيبة قوله: (وأتاكم ما توعدون)، وفي رواية في صحيح مسلم عنها، قالت: كيف أقول لهم يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: (قولي: السلام على أهل
(١٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 ... » »»