حتى أسمعهم توبيخا، وتصغيرا، ونقمة، وحسرة، وتنديما، وعائشة قالت فيما ذكرته كما تأولت.
والنص الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم مقدم على تأويل من تأول من أصحابه وغيره، وليس في القرءان ما ينفى ذلك، فإن قوله تعالى: * (إنك لا تسمع الموتى) *، إنما أراد به السماع المعتاد الذي ينفع صاحبه، فإن هذا مثل ضربه الله للكفار، والكفار تسمع الصوت، لكن لا تسمع سماع قبول بفقه واتباع؛ كما قال تعالى: * (ومثل الذين كفروا كمثل الذى ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء) *، فهكذا الموتى الذين ضرب بهم المثل لا يجب أن ينفى عنهم جميع أنواع السماع، بل السماع المعتاد كما لم ينف ذلك عن الكفار، بل انتفى عنهم السماع المعتاد الذي ينتفعون به. وأما سماع آخر فلا ينفى عنهم، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن الميت يسمع خفق نعالهم، إذا ولوا مدبرين، فهذا موافق لهذا فكيف يرفع ذلك، انتهى محل الغرض من كلام أبي العباس ابن تيمية. وقد تراه صرح فيه بأن تأول عائشة لا يرد به النص الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم، وأنه ليس في القرءان ما ينفي السماع الثابت للموتى في الأحاديث الصحيحة.
وإذا علمت به أن القرءان ليس فيه ما ينفي السماع المذكور، علمت أنه ثابت بالنص الصحيح، من غير معارض.
والحاصل أن تأول عائشة رضي الله عنها بعض آيات القرءان، لا ترد به روايات الصحابة العدول الصحيحة الصريحة عنه صلى الله عليه وسلم، ويتأكد، ذلك بثلاثة أمور:
الأول: هو ما ذكرناه الآن من أن رواية العدل لا ترد بالتأويل.
الثاني: أن عائشة رضي الله عنها لما أنكرت رواية ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إنهم ليسمعون الآن ما أقول)، قالت: إن الذي قاله صلى الله عليه وسلم: (إمهم ليعلمون الآن أن الذي كنت أقول لهم هو الحق)، فأنكرت السماع ونفته عنهم، وأثبتت لهم العلم، ومعلوم أن من ثبت له العلم صح منه السماع، كما نبه عليه بعضهم.
الثالث: هو ما جاء عنها مما يقتضي رجوعها عن تأويلها، إلى الروايات الصحيحة.
قال ابن حجر في (فتح الباري): ومن الغريب أن في المغازي لابن إسحاق رواية يونس بن بكير بإسناد جيد، عن عائشة مثل حديث أبي طلحة، وفيه: (ما أنتمع بأسمع لما