ذلك من الآيات. ولو كان معنى الآية وما شابهها: * (إنك لا تسمع الموتى) *، أي: الذين فارقت أرواحهم أبدانهم لما كان في ذلك تسلية له صلى الله عليه وسلم، كما ترى.
واعلم: أن آية (النمل) هذه، حاءت آيتان أخريان بمعناها:
الأولى منهما: قوله تعالى في سورة (الروم): * (فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين * وما أنت بهادى العمى عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بئاياتنا فهم مسلمون) *، ولفظ آية (الروم) هذه، كلفظ آية (النمل) التي نحن بصددها، فيكفي في بيان آية (الروم)، ما ذكرنا في آية (النمل).
والثانية منهما: قوله تعالى في سورة (فاطر): * (إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من فى القبور) *، وآية (فاطر) هذه كآية (النمل) و (الروم) المتقدمتين، لأن المراد بقوله فيها: * (من فى القبور) * الموتى، فلا فرق بي قوله: * (إنك لا تسمع الموتى) *، وبين قوله: * (وما أنت بمسمع من فى القبور) *؛ لأن المراد بالموتى ومن في القبور واحد؛ كقوله تعالى: * (وأن الله يبعث من فى القبور) *، أي: يبعث جميع الموتى من قبر منهم ومن لم يقبر، وقد دلت قرائن قرءانية أيضا على أن معنى آية (فاطر) هذه كمعنى آية (الروم)، منها قوله تعالى قبلها: * (ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة) *، لأن معناها: لا ينفع إنذارك إلا من هداه الله ووفقه فصار ممن يخشى ربه بالغيب ويقيم الصلاة، * (وما أنت بمسمع من فى القبور) *، أي: الموتى، أي: الكفار الذين سبق لهم الشقاء، كما تقدم. ومنها قوله تعالى أيضا: * (وما يستوى الاعمى والبصير) *، أي: المؤمن والكافر. وقوله تعالى (بعدها): * (وما يستوى الاحياء ولا الاموات) *، أي: المؤمنون والكفار. ومنها قوله تعالى بعده: * (إن أنت إلا نذير) * (52 / 32)، أي: ليس الإضلال والهدى بيدك ما أنت إلا نذير، أي: وقد بلغت.
التفسير الثاني: هو أن المراد بالموتى الذين ماتوا بالفعل، ولكن المراد بالسماع المنفي في قوله: * (إنك لا تسمع الموتى) * خصوص السماع المعتاد الذي ينتفع صاحبه به، وأن هذا مثل ضرب للكفار، والكفار يسمعون الصوت، لكن لا يسمعون سماع قبول بفقه واتباع؛ كما قال تعالى: * (ومثل الذين كفروا كمثل الذى ينعق بما لا يسمع إلا دعاء