أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٦ - الصفحة ١٢٣
عنها؛ وكقوله تعالى: * (فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد) *، أي: علمك اليوم بما كنت تنكره في الدنيا مما جاءتك به الرسل حديد، أي: قوي كامل.
وقد بينا في كتابنا (دفع إبهام الاضطراب عن آيات الكتاب)، في سورة (الشورى)، في الجواب عما يتوهم من التعارض بين قوله تعالى: * (ينظرون من طرف خفى) *، وقوله تعالى: * (فبصرك اليوم حديد) *، أن المراد بحدة البصر في ذلك اليوم: كما العلم وقوة المعرفة. وقوله تعالى: * (ولو ترى المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون) *، فقوله: * (إنا موقنون) * أي: يوم القيامة، يوضح معنى قوله هنا: * (بل ادرك علمهم فى الاخرة) *، وكقوله تعالى: * (وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا) *، فعرضهم على ربهم صفا يتدارك به علمهم، لما كانوا ينكرونه، وقوله: * (بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا) *، صريح في أنهم في الدنيا كانوا في شك وعمى عن البعث والجزاء كما ترى، إلى غير ذلك من الآيات.
واعلم أن قوله: * (بل ادرك) *، فيه اثنتا عشرة قراءة اثنتان منها فقط سبعيتان، فقد قرأه عامة السبعة، غير ابن كثير وأبي عمرو: * (بل ادرك) * بكسر اللام من * (بل) * وتشديد الدال بعدها ألف والألف التي قبل الدال همزة وصل، وأصله: تدارك بوزن: تفاعل، وقد قدمنا وجه الإدغام، واستجلاب همزة الوصل في تفاعل وتفعل وأمثلة ذلك في القرءان، وبعض شواهده العربية في سورة (طه)، في الكلام على قوله تعالى: * (فإذا هى تلقف ما يأفكون) *، وقرأه ابن كثير وأبو عمرو: * (بل ادرك) * بسكون اللام من * (بل) *، وهمزة قطع مفتوحة، مع سكون الدال على وزن: أفعل.
والمعنى على قراءة الجمهور: * (بل ادرك علمهم) *، أي: تدارك بمعنى تكامل؛ كقوله: * (حتى إذا اداركوا فيها جميعا) *، وعلى قراءة ابن كثير وأبي عمرو: * (بل ادرك) *.
قال البغوي: أي بلغ ولحق، كما يقال: أدرك علمي إذا لحقه وبلغه، والإضراب في قوله تعالى: * (بل ادرك) *، * (بل هم فى شك) *، * (بل هم منها عمون) *، إضراب انتقالي، والظاهر أن من في قوله تعالى: * (بل هم منها عمون) *، بمعنى: عن،
(١٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 ... » »»