أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٤٤٦
وفي الثاني قال: بامرأة سوداء، فالظاهر تكرره، والعلم عند الله تعالى.
وعن مالك رحمه الله في (المدونة): إن قذف رجلا فلما ضرب أسواطا قذفه ثانيا أو آخر ابتدىء الحد عليه ثمانين من حين يقذفه، ولا يعتد بما مضى من السياط.
المسألة الرابعة عشرة: الظاهر أن من قال لجماعة: أحدكم زان أو ابن زانية لا حد عليه؛ لأنه لم يعين واحدا فلم تلحق المعرة واحدا منهم، فإن طلبوا إقامة الحد عليه جميعا لا يحد، لأنه لم يرم واحدا منهم بعينه، ولم يعرف من أراد بكلامه. نقله المواق عن الباجي عن محمد بن المواز، ووجهه ظاهر كما ترى. واقتصر عليه خليل في مختصره في قوله عاطفا على ما لا حد فيه، أو قال لجماعة: أحدكم زان.
وقال ابن قدامة في (المغني): وإذا قال من رماني فهو ابن الزانية فرماه رجل، فلا حد عليه، في قول أحد من أهل العلم. وكذلك إن اختلف رجلان في شئ، فقال أحدهما: الكاذب هو ابن الزانية، فلا حد عليه، نص عليه أحمد؛ لأنه لم يعين أحدا بالقذف، وكذلك ما أشبه هذا، ولو قذف جماعة لا يتصور صدقه في قذفهم، مثل أن يقذف أهل بلدة كثيرة بالزنى كلهم، لم يكن عليه حد؛ لأنه لم يلحق العار بأحد غير نفسه للعلم بكذبه، انتهى منه.
المسألة الخامسة عشرة: اعلم أن أظهر أقوال أهل العلم عندنا فيمن قال لرجل: أنت أزنى من فلان، فهو قاذف لهما، وعليه حدان؛ لأن قوله أزنى صيغة تفضيل، وهي تدل على اشتراك المفضل، والمفضل عليه في أصل الفعل، إلا أن المفضل أفضل فيه من صاحبه المشارك له فيه، فمعنى كلامه بدلالة المطابقة في صيغة التفضيل: أنت وفلان زانيان، ولكنك تفوقه في الزنى، وكون هذا قذفا لهما واضح، كما ترى. وبه تعلم أن أحد الوجهين عند الحنابلة أنه يحد للمخاطب فقط، دون فلان المذكور لا ينبغي أن يعول عليه، وكذلك ما عزاه ابن قدامة للشافعي، وأصحاب الرأي من أنه ليس بقذف للأول، ولا للثاني إلا أن يريد به القذف كل ذلك لا يصح ولا ينبغي التعويل عليه؛ لأن صيغة: أنت أزنى من فلان قذف صريح لهما بعبارة واضحة، لا إشكال فيها.
وقال ابن قدامة في (المغني) محتجا للوجه الذي ذكرنا عن الحنابلة: أنه لا حد على الثاني، ما نصه: والثاني يكون قذفا للمخاطب خاصة؛ لأن لفظة افعل قد تستعمل للمنفرد بالفعل؛ كقول الله تعالى: * (أفمن يهدى إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدى إلا أن
(٤٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 441 442 443 444 445 446 447 448 449 450 451 ... » »»