أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٤٣٣
بتصدق مستحقها بها، ولا يرجع لتحرير الرقبة إجماعا، لأن تصدق مستحقي الدية بها لا يسقط كفارة القتل خطأ.
ومن أمثلة ذلك آية (النور) هذه، لأن الاستثناء في قوله: * (إلا الذين تابوا) *، لا يرجع لقوله: * (فاجلدوهم ثمانين جلدة) *، كما ذكرناه آنفا.
ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: * (فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا * إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق) *، فالاستثناء في قوله: * (إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق) * لا يرجع إلى الجملة الأخيرة التي هي أقرب الجمل المذكورة إليه، أعني قوله تعالى: * (ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا) *، إذ لا يجوز اتخاذ ولي ولا نصير من الكفار، ولو وصلوا إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق، وهذا لا خلاف فيه بل الاستثناء راجع إلى الجملتين الأوليين، أعني قوله تعالى: * (فخذوهم واقتلوهم) *، أي: فخذوهم بالأسر، واقتلوهم إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق، فليس لكم أخذهم بأسر، ولا قتلهم؛ لأن الميثاق الكائن لمن وصلوا إليهم يمنع من أسرهم، وقتلهم كما اشترطه هلال بن عويمر الأسلمي في صلحه مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذه الآية نزلت فيه، وفي سراقة بن مالك المدلجي، وفي بني جذيمة بن عامر، وإذا كان الاستثناء ربما لم يرجع إلى أقرب الجمل إليه في القرءان العظيم الذي هو في الطرف الأعلى من الإعجاز، تبين أنه لم يلزم رجوعه للجميع، ولا إلى الأخيرة، وأن الأظهر الوقف حتى يعلم ما يرجع إليه من المتعاطفات قبله بدليل، ولا يبعد أنه إن تجرد من القرائن والأدلة، كان ظاهرا في رجوعه للجميع.
وقد بسطنا الكلام على هذه المسألة في كتابنا (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب)، ولذلك اختصرناه هنا، والعلم عند الله تعالى.
المسألة الثالثة: اعلم أن من قذف إنسانا بغير الزنى أو نفي النسب، كأن يقول له: يا فاسق، أو يا آكل الربى، ونحو ذلك من أنواع السب يلزمه التعزير، وذلك بما يراه الإمام رادعا له ولأمثاله من العقوبة، من غير تحديد شئ في ذلك من جهة الشرع. وقال بعض أهل العلم: لا يبلغ بالتعزير قدر الحد. وقال بعض العلماء: إن التعزير بحسب اجتهاد الإمام فيما يراه رادعا مطلقا، والعلم عند الله تعالى.
(٤٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 428 429 430 431 432 433 434 435 436 437 438 ... » »»