لها نكاح المشرك؛ لقوله تعالى: * (ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا) *، فنكاح المشركة والمشرك لا يحل بحال. وذلك قرينة على أن المراد بالنكاح في الآية التي نحن بصددها الوطء، الذي هو الزنى، لا عقد النكاح؛ لعدم ملاءمة عقد النكاح لذكر المشرك والمشركة، والقول بأن نكاح الزاني للمشركة والزانية للمشرك، منسوخ ظاهر السقوط؛ لأن سورة (النور) مدنية، ولا دليل على أن ذلك أحل بالمدينة، ثم نسخ. والنسخ لا بد له من دليل يجب الرجوع إليه.
مسألة تتعلق بهذه الآية الكريمة اعلم أن العلماء اختلفوا في جواز نكاح العفيف الزانية، ونكاح العفيفة الزاني، فذهب جماعة من أهل العلم منهم الأئمة الثلاثة إلى جواز نكاح الزانية مع الكراهة التنزيهية عند مالك وأصحابه، ومن وافقهم، واحتج أهل هذا القول بأدلة:
منها عموم قوله تعالى: * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) *، وهو شامل بعمومه الزانية والعفيفة، وعموم قوله تعالى: * (وأنكحوا الايامى منكم) *، وهو شامل بعمومه الزانية أيضا والعفيفة.
ومن أدلتهم على ذلك: حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن امرأتي لا ترد يد لامس، قال: (غربها)، قال: أخاف أن تتبعها نفسي؟ قال: (فاستمتع بها). قال ابن حجر في (بلوغ المرام) في هذا الحديث، بعد أن ساقه باللفظ الذي ذكرنا: رواه أبو داود، والترمذي، والبزار ورجاله ثقات، وأخرجه النسائي من وجه آخر، عن ابن عباس رضي الله عنهما، بلفظ قال: (طلقها)، قال: لا أصبر عنها، قال: (فأمسكها)، اه من (بلوغ المرام). وفيه تصريح ابن حجر بأن رجاله ثقات، وبه تعلم أن ذكر ابن الجوزي لهذا الحديث في الموضوعات فيه نظر، وقد ذكره في الموضوعات مرسلا عن أبي الزبير، قال: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن امرأتي... الحديث، ورواه أيضا مرسلا عن عبيد بن عمير، وحسان بن عطية كلاهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: وقد حمله أبو بكر الخلال على الفجور، ولا يجوز هذا؛ وإنما يحمل على تفريطها في المال لو صح الحديث.
قال أحمد بن حنبل: هذا الحديث لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس له أصل. انتهى