أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٤٢٣
ومنها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده: أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي كان يحمل الأسارى بمكة، وكانت بمكة بغي يقال لها عناق، وكانت صديقته، قال: فجئت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول اللها أنكح عناقا؟ قال: فسكت عني، فنزلت: * (والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك) *، فدعاني فقرأها علي، وقال: (لا تنكحها). رواه أبو داود، والنسائي والترمذي.
قال الشوكاني في (نيل الأوطار)، في كلامه على حديث عمرو بن شعيب هذا الذي ذكره صاحب المنتقى، وعزاه لأبي داود والنسائي والترمذي، وحديث عمرو بن شعيب حسنه الترمذي وساق ابن كثير في تفسير هذه الآية الأحاديث التي ذكرنا بأسانيدها، وقال في حديث عمرو بن شعيب هذا: قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقد رواه أبو داود، والنسائي في كتاب النكاح من سننهما من حديث عبيد الله بن الأخنس به.
قالوا: فهذه الأحاديث وأمثالها تدل على أن النكاح في قوله: * (الزانى لا ينكح إلا زانية أو مشركة) *، أنه التزويج لا الوطء، وصورة النزول قطعية الدخول؛ كما تقرر في الأصول. قالوا: وعلى أن المراد به التزويج، فتحريم نكاح الزانية والزاني منصوص في قوله تعالى: * (وحرم ذالك على المؤمنين) *.
وقال ابن القيم في (زاد المعاد)، ما نصه: وأما نكاح الزانية فقد صرح الله سبحانه وتعالى بتحريمه في سورة (النور)، وأخبر أن من نكحها فهو إما زان أو مشرك، فإنه إما أن يلتزم حكمه سبحانه، ويعتقد وجوبه عليه أو لا، فإن لم يلتزمه، ولم يعتقده فهو مشرك، وإن التزمه واعتقد وجوبه، وخالفه فهو زان، ثم صرح بتحريمه، فقال: * (وحرم ذالك على المؤمنين) *، ولا يخفى أن دعوى النسخ للآية بقوله: * (وأنكحوا الايامى منكم) *، من أضعف ما يقال، وأضعف منه حمل النكاح على الزنى.
إذ يصير معنى الآية: الزاني لا يزنى إلا بزانية أو مشركة، والزانية لا يزني بها إلا زان أو مشرك، وكلام الله ينبغي أن يصان عن مثل هذا، وكذلك حمل الآية على امرأة بغي مشركة في غاية البعد عن لفظها وسياقها، كيف، وهو سبحانه إنما أباح نكاح الحرائر والإماء بشرط الإحصان، وهو العفة، فقال: * (فانكحوهن بإذن أهلهن وءاتوهن أجورهن
(٤٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 418 419 420 421 422 423 424 425 426 427 428 ... » »»