والثاني: يحد من لم يرجع دون من رجع.
والثالث: عكسه، كما هو واضح من كلامه.
والأظهر: أنهم إن رجعوا بعد الحكم عليه بالرجم أو الجلد بشهادتهم أنه لا يقام عليه الحد، لرجوع الشهود أو بعضهم. وقول بعض المالكية: إن الحكم ينفذ عليه، ولو رجعوا كلهم أو بعضهم قبل التنفيذ خلاف التحقيق، وإن كان المعروف في مذهب مالك أن الحكم إذا نفذ بشهادة البينة، أنه لا ينقض برجوعهم وأنما ينقض بظهور كذبهم؛ لأن هذا لم يعمموه في الشهادة المفضية إلى القتل لعظم شأنه، والأظهر أنه لا يقتل بشهادة بينة كذبت أنفسها، فيما شهدت عليه به، كما لا يخفى. وأما إن كان رجوع البينة بعد إقامة الحد، فالأظهر أنه إن لم يظهر تعمدهم الكذب لزمتهم دية المرجوم، وإن ظهر أنهم تعمدوا الكذب، فقال بعض أهل العلم: تلزم الدية أيضا. وقال بعضهم: بالقصاص، وهو قول أشهب من أصحاب مالك، وله وجه من النظر، لأنهم تسببوا في قتله بشهادة زور، فقتلهم به له وجه، والعلم عند الله تعالى. وإن كان رجوعهم أو رجوع بعضهم بعد جلد المشهود عليه بالزنى بشهادتهم، فإن لم يظهر تعمدهم الكذب، فالظاهر أنهم لا شئ عليهم، لأنهم لم يقصدوا سوءا، وإن ظهر تعمدهم الكذب وجب تعزيرهم بقدر ما يراه الإمام رادعا لهم ولأمثالهم، لأنهم فعلوا معصيتين عظيمتين:
الأولى: تعمدهم شهادة الزور.
والثانية: إضرارهم بالمشهود عليه بالجلد، وهو أذى عظيم أوقعوه به بشهادة زور، والعلم عند الله تعالى.
تنبيه اعلم: أنا قدمنا حكم من زنى ببهيمة في سورة (الإسراء)، في الكلام على قوله تعالى: * (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) *. وقدمنا حكم اللواط وأقوال أهل العلم وأدلتهم في ذلك في سورة (هود)، في الكلام على قوله تعالى: * (وما هى من الظالمين ببعيد) *. وقد قدمنا الكلام أيضا على أن من زنى مرات متعددة، قبل أن يقام عليه الحد، يكفي لجميع ذلك حد واحد في الكلام على آيات (الحج). وقد أوضحنا أن الأمة تجلد خمسين، سواء كانت محصنة أو غير محصنة؛ لأن