لا ترى حرمة ذلك، وكذلك الزانية لا ينكحها إلا زان، أي: عاص بزناه، أو مشرك لا يعتقد تحريمه.
قال سفيان الثوري عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما: * (الزانى لا ينكح إلا زانية أو مشركة) *، قال: ليس هذا بالنكاح إنما هو الجماع لا يزني بها، إلا زان أو مشرك، وهذا إسناد صحيح عنه، وقد روي عنه من غير وجه أيضا، وقد روي عن مجاهد وعكرمة، وسعيد بن جبير، وعروة بن الزبير، والضحاك، ومكحول، ومقاتل بن حيان، وغير واحد نحو ذلك، انتهى محل الغرض منه بلفظه.
فتراه صدر بأن المراد بالنكاح في الآية: الجماع، لا التزويج. وذكر صحته عن ابن عباس الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم الله أن يعلمه تأويل القرءان. وعزاه لمن ذكر معه من أجلاء المفسرين، وابن عباس رضي الله عنهما من أعلم الصحابة بتفسير القرءان العظيم، ولا شك في علمه باللغة العربية.
فقوله في هذه الآية الكريمة بأن النكاح فيها هو الجماع لا العقد يدل على أن ذلك جار على الأسلوب العربي الفصيح، فدعوى أن هذا التفسير لا يصح في العربية، وأنه قبيح، يرده قول البحر ابن عباس، كما ترى.
وقال القرطبي في تفسير هذه الآية: وقد روي عن ابن عباس وأصحابه، أن النكاح في هذه الآية: الوطء.
واعلم أن إنكار الزجاج لهذا القول في هذه الآية، أعني القول بأن النكاح فيها الجماع، وقوله: إن النكاح لا يعرف في القرءان، إلا بمعنى التزويج، مردود من وجهين:
الأول: أن القرءان جاء فيه النكاح بمعنى الوطء، وذلك في قوله تعالى: * (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) *، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فسر قوله: * (حتى تنكح زوجا غيره) *، بأن معنى نكاحها له مجامعته لها، حيث قال: (لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك)، ومراده بذوق العسيلة: الجماع، كما هو معلوم.
الوجه الثاني: أن العرب الذين نزل القرءان بلغتهم، يطلقون النكاح على الوطء، والتحقيق: أن النكاح في لغتهم الوطء. قال الجوهري في صحاحه: النكاح الوطء، وقد