، عن خلاد بن عبد الرحمان، عن ابن المسيب، عن ابن عباس: أن رجلا من بني بكر بن ليث أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فأقر أنه زنى بامرأة أربع مرات، فجلده مائة وكان بكرا، ثم سأله البينة على المرأة، فقالت: كذب والله يا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فجلده حد الفرية ثمانين، اه.
فإن قيل: هذا الحديث ضعيف، لأن في إسناده القاسم بن فياض الأبناوي الصنعاني، قال فيه ابن حجر في التقريب: مجهول. وقال فيه الذهبي في (الميزان): ضعفه غير واحد منهم عباس عن ابن معين، فالجواب من وجهين:
الأول: أن القاسم المذكور قال فيه أبو داود ثقة، كما نقله عنه الذهبي في الميزان، والتعديل يقبل مجملا، والتجريح لا يقبل مجملا، كما تقدم.
الثاني: أن حديث ابن عباس هذا الذي فيه الجمع بين حد القذف، وحد الزنا إن قال: أنه زنى بامرأة عينها فأنكرت، معتضد اعتضادا قويا بظواهر النصوص الدالة على مؤاخذته بإقراره، والنصوص الدالة على أن من قذف امرأة بالزنى، فأنكرت ولم يأت ببينة أنه يحد حد القذف.
فالحاصل: أن أظهر الأقوال عندنا أنه يحد حد القذف وحد الزنا، وهو مذهب مالك، وقد نص عليه في المدونة خلافا لمن قال يحد حد الزنا فقط، كأحمد والشافعي، ولمن قال: يحد حد القذف فقط، ويؤيد هذا المذهب الذي اخترناه في هذه المسألة ما قاله مالك وأصحابه: من أن الرجل لو قال لامرأة: زنيت، فقالت له: زنيت بك أنها تحد للقذف وللزنا معا، ولا يحد الرجل لهما لأنها صدقته، والعلم عند الله تعالى.
الفرع الخامس: اعلم أنه لا يصح إقرار المكره، فلو أكره الرجل بالضرب أو غيره من أنواع التعذيب ليقر بالزنا فأقر به مكرها لم يلزمه إقراره به فلا يحد، ولا يثبت عليه الزنا، ولا نعلم من أهل العلم من خالف في هذا، والعلم عند الله تعالى.
المسألة الثالثة: اعلم أنا قد قدمنا ثبوت الزنا بالبينة والإقرار، ولا خلاف في ثبوته بكل واحد منهما إن وقع على الوجه المطلوب، أما ظهور الحمل بامرأة، لا يعرف لها زوج ولا سيد، فقد اختلف العلماء في ثبوت الحد به. فقال بعض أهل العلم: الحبل في التي لا يعرف لها زوج ولا سيد يثبت عليها به الزنا، ويجب عليها الحد به، وقد ثبت هذا في حديث عمر رضي الله عنه الذي قدمناه في قوله: إذا قامت البينة أو كان الحبل، أو