ثنا عبد السلام بن حفص، ثنا أبو حازم، عن سهل بن سعد، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلا أتاه، فأقر عنده أنه زنى بامرأة سماها له، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى المرأة فسألها عن ذلك، فأنكرت أن تكون زنت فجلده الحد وتركها، اه منه. وعبد السلام المذكور في هذا الإسناد وثقه ابن معين، وتوثيقه له أولى من قول أبي حاتم الرازي: إنه غير معروف؛ لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ.
والحديث المذكور نص في أن المقر يقام عليه الحد وهو واضح؛ لأن من أقر على نفسه بالزنا لا نزاع في وجوب الحد عليه. وأما كونه يحد مع ذلك حد القذف فظاهر أيضا، ويدل عليه عموم قوله تعالى: * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) *، والأخذ بعموم النصوص واجب، إلا بدليل مخصص يجب الرجوع إليه، وكون حديث سهل بن سعد الساعدي الذي ذكرناه آنفا عند أبي داود ليس فيه أن النبي حد الرجل المذكور حد القذف، بل حد الزنا فقط لا يعارض به عموم النصوص.
وقال الشوكاني في (نيل الأوطار): وحده للزنا والقذف معا هو الظاهر، لوجهين:
الأول: أن غاية ما في حديث سهل: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحد ذلك الرجل للقذف وذلك لا ينتهض للاستدلال به على السقوط؛ لاحتمال أن يكون ذلك لعدم الطلب من المرأة أو لوجود مسقط، إلى أن قال:
الوجه الثاني: أن ظاهر القذف العموم فلا يخرج من ذلك إلا ما خرج بدليل، وقد صدق على كل من كان كذلك أنه قاذف، اه منه. وهو الظاهر الذي لا ينبغي العدول عنه، وكذلك ما جاء في بعض روايات حديث ماعز بن مالك أنه عين الجارية التي زنا بها، ولم يحده النبي صلى الله عليه وسلم لقذفها بل حده للزنا فقط، فإن ترك حده لم يوجه بما قدمنا قريبا.
وعلى كل حال فمن قال: زنبت بفلانة فلا شك أنه مقر على نفسه بالزنا، وقاذف لها هي به، وظاهر النصوص مؤاخذته بإقراره على نفسه، وحده أيضا حد القذف؛ لأنه قاذف بلا شك، كما ترى.
ومما يؤيد هذا المذهب ما رواه أبو داود في سننه: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، ثنا موسى بن هارون البردي، ثنا هشام بن يوسف، عن القاسم بن فياض الأبناوي