أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٣٧٧
وأما الآية فإنها لم تتعرض للشروط، ولهذا لم تذكر العدالة، وصفة الزنى، ولأن قوله: * (ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم) *، لا يخلو من أن يكون مطلقا في الزمان كله أو مقيدا، ولا يجوز أن يكون مطلقا؛ لأنه يمنع من جواز جلدهم، لأنه ما من زمن إلا يجوز أن يأتي فيه بأربعة شهداء، أو بكمالهم إن كان قد شهد بعضهم فيمتنع جلدهم المأمور به، فيكون تناقضا، وإذا ثبت أنه مقيد فأولى ما قيد به المجلس، لأن المجلس كله بمنزلة الحال الواحدة، ولهذا ثبت فيه خيار المجلس، واكتفى فيه بالقبض فيما يعتبر القبض فيه إذا ثبت هذا، فإنه لا يشترط اجتماعهم حال مجيئهم ولو جاءوا متفرقين واحدا بعد واحد في مجلس واحد، قبلت شهادتهم.
وقال مالك وأبو حنيفة: إن جاءوا متفرقين فهم قذفة؛ لأنهم لم يجتمعوا في مجيئهم، فلم تقبل شهادتهم، كالذين لم يشهدوا في مجلس واحد ولنا قصة المغيرة، فإن الشهود جاءوا واحدا بعد واحد وسمعت شهادتهم، وإنما حدوا لعدم كمالها.
وفي حديثه أن أبا بكرة، قال: أرأيت إن جاء آخر يشهد أكنت ترجمه؟ قال عمر: إي والذي نفسي بيده، ولأنهم اجتمعوا في مجلس واحد أشبه ما لو جاءوا وكانوا مجتمعين، ولأن المجلس كله بمنزلة ابتدائه لما ذكرناه، وإذا تفرقوا في مجالس فعليهم الحد، لأن من شهد بالزنى، ولم يكمل الشهادة يلزمه الحد؛ لقوله تعالى: * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) *، انتهى من (المغني) لابن قدامة.
وقد عرفت أقوال أهل العلم في اشتراط اتحاد المجلس لشهادة شهود الزنى، وما احتج به كل واحد من الفريقين.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: أظهر القولين عندي دليلا هو قبول شهادتهم، ولو جاءوا متفرقين في مجالس متعددة، لأن الله جل وعلا صرح في كتابه بقبول شهادة الأربعة في الزنى، فإبطالها مع كونهم أربعة بدعوى عدم اتحاد المجلس إبطال لشهادة العدول بغير دليل مقنع يجب الرجوع إليه، وما وجه من اشتراط اتحاد المجلس قوله به لا يتجه كل الاتجاه، فإن قال: الشهود معنا من يشهد مثل شهادتنا، انتظره الإمام، وقبل شهادته فإن لم يدعو زيادة شهود ولا علم الحاكم بشاهد أقام عليهم الحد، لعدم كمال
(٣٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 372 373 374 375 376 377 378 379 380 381 382 ... » »»