أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٣٨٠
إذا تقاربتا أمكن صدق الشهود، بأن يكون ابتداء الفعل في إحداهما وتمامه في الأخرى أو ينسبه كل اثنين إلى إحدى الزاويتين لقربه منها فيجب قبول شهادتهم كما لو اتفقوا، بخلاف ما إذا كانتا متباعدتين، فإنه لا يمكن كون المشهود به فعلا واحدا.
فإن قيل: فقد يمكن أن يكون المشهود به فعلين، فلم أوجبتم الحد مع الاحتمال، والحد يدرأ بالشبهات؟
قلنا: ليس هذا بشبهة، بدليل ما لو اتفقوا على موضع واحد، فإن هذا يحتمل فيه والحد واجب، والقول في الزمان كالقول في هذا، وأنه متى كان بينهما زمن متباعد لا يمكن وجود الفعل الواحد في جميعه، كطرفي النهار لم تكمل شهادتهم، ومتى تقاربا كملت شهادتهم، انتهى من (المغني).
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: قد رأيت كلام أهل العلم في هذا الفرع، والظاهر أنه لا تكمل شهادة الأربعة إلا إذا شهدوا على فعل واحد في مكان متحد ووقت متحد؛ فإن اختلفوا في الزمان أو المكان حدوا، لأنهما فعلان، ولم يشهد على واحد منهما أربعة عدول، فلم يثبت واحد منهما. والقول بتلفيق شهادتهم، وضم شهادة بعضهم إلى شهادة بعض لا يظهر، وقد علمت أن مالكا وأصحابه زادوا أن تكون شهادة الأربعة على إيلاج متحد، فلو نظروا واحدا بعد واحد مع اتحاد الوقت والمكان لم تقبل عنده شهادتهم حتى ينظروا فرجه في فرجها نظرة واحدة في لحظة واحدة، وله وجه.
الفرع السادس: إن شهد اثنان أنه زنى بها في قميص أبيض، وشهد اثنان أنه زنى بها في قميص أحمر، أو شهد اثنان أنه زنى بها في ثوب كتان، وشهد اثنان أنه زنى بها في ثوب خز.
فقد اختلف أهل العلم هل تكمل شهادتهم أو لا؟ فقال بعضهم: لا تكمل شهادتهم؛ لأن كل اثنين منهما تخالف شهادتهما شهادة الاثنين الآخرين، وممن روي عنه ذلك الشافعي، وقال بعضهم: تكمل شهادتهم قائلا: إنه لا تنافي بين الشهادتين؛ لإمكان أن يكون عليه قميصان فذكر كل اثنين أحد القميصين، وتركا ذكر الآخر، فيكون الجميع صادقين؛ لأن أحد الثوبين الذي سكت عنه هذان هو الذي ذكره ذانك كعكسه، فلا تنافي، ويمكن أن يكون عليها هي قميص أحمر، وعليه هو قميص أبيض كعكسه، أو عليه هو ثوب كتان، وعليها هي ثوب خز كعكسه، فيمكن صدق الجميع؛ وإذا أمكن صدقهم فلا
(٣٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 375 376 377 378 379 380 381 382 383 384 385 ... » »»