بعضها. وأما ما يوجب تعدد الفدية عند المالكية، فهو أن يفعل محظورات الإحرام مترتبة بعضها بعد بعض، غير قريب منه، فإنه تلزمه بكل محظور فدية، ولو كثر ذلك سواء كانت المحظورات من نوع واحد، كمن كرر التطيب، أو كرر اللبس، أو كرر الحلق في أوقات غير متقاربة، والظاهر أن القرب بحسب العرف، أو من أنواع كمن لبس مخيطا، ثم تطيب، ثم حلق، فإن الفدية تتعدد في جميع ذلك، إن لم يكن بعضه قريبا من بعض، أو في وقت واحد، فإن احتاج إلى لبس قميص، ثم احتاج بعد ذلك إلى لبس سراويل، ففدية واحدة عندهم، لأن محل السراويل كان يستره القميص قبل لبس السراويل. أما إن احتاج إلى السراويل أولا، ثم احتاج بعد ذلك إلى القميص، ففديتان، لأن القميص يستر من أعلى بدنه شيئا ما كان يستره السراويل.
هذا هو حاصل مذهب مالك في تعدد الفدية وعدمه في تعدد محظورات الإحرام.
وأما مذهب أبي حنيفة: فهو أنه إن تكرر منه موجب الفدية من نوع واحد في مجالس واحد، فعليه كفارة واحدة، وهي فدية الأذى إن كان ذلك لعذر، ودم إن كان لغير عذر، وإن فعل ذلك في مجالس متعددة تعددت الكفارة. وقال محمد: لا تتعدد إلا إذا كفر عن الأول قبل فعل الثاني، فلو لبس قميصا وقباء وسراويل وخفين يوما كاملا لزمه دم واحد أو فدية واحدة، لأنها من جنس واحد فصارت كجناية واحدة، وكذلك لو دام على لبس ذلك أياما، وكذا لو كان ينزعه بالليل، ويلبسه بالنهار، لا يجب عليه إلا دم واحد، إلا إذا نزعه على عدم الترك، ثم لبسه بعد ذلك، فإنه يجب عليه دم آخر، لأن اللبس الأول انفصل عن الثاني بالعزم على الترك، وكذا لو لبس قميصا للضرورة ولبس خفين من غير ضرورة فعليه دم وفدية، لأن السبب اختلف فلا يمكن التداخل، وكذلك لو طيب جميع أعضائه، فإن كان في مجلس واحد فعليه دم واحد، إن كان لغير عذر، وفدية واحدة، إن كان ذلك لعذر، وإن كان تطييب أعضائه في مجالس تعددت الفدية أو الدم بتعدد الأعضاء التي طيبها في قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، سواء ذبح للأول أو لم يذبح. وقال محمد: إن ذبح للأول، فكذلك، وإن لم يذبح فعليه دم واحد، وإن اختلفت أسباب الفدية، كمن تطيب، ولبس مخيطا أو تطيب، وغطى رأسه يوما كاملا مثلا، تعددت الفدية، أو الدم سواء كان ذلك في مجلس واحد، أو في مجلسين. وقد قدمنا أنه لا خلاف في تعدد جزاء الصيد بتعدد الصيد. وما روي عن أحمد مما يخالف ذلك، لم يصح لمخالفته صريح القرآن العظيم.