أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٥٤
التاريخ الذي ذكرنا، ورواه البيهقي في الدلائل مطولا، وفيه: فأمر به الوليد فسجن. فذكر القصة بتمامها ولها طرق كثيرة انتهى منه.
فهذه آثار عن ثلاثة من الصحابة في قتل الساحر: وهم عمر وابنته أم المؤمنين حفصة رضي الله عنهم جميعا، وجندب ولم يعلم لهم مخالف من الصحابة رضي الله عنهم. ويعتضد ذلك بما رواه للترمذي والدارقطني عن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حد الساحر ضربه بالسيف). وضعف الترمذي إسناد هذا الحديث وقال: الصحيح عن جندب موقوف، وتضعيفه بأن في إسناده إسماعيل بن مسلم المكي وهو يضعف في الحديث. وقال في (فتح المجيد) أيضا في الكلام على حديث جندب المذكور: روى ابن السكن من حديث بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يضرب ضربة واحدة فيكون أمة وحده) ا ه منه.
وقال ابن كثير في تفسيره بعد أن ذكر تضعيفه بإسماعيل المذكور: قلت قد رواه الطبراني من وجه آخر، عن الحسن عن جندب مرفوعا ا ه. وهذا يقويه كما ترى.
فهذه الآثار التي لم يعلم أن أحدا من الصحابة أنكرها على من عمل بها مع اعتضادها بالحديث المرفوع المذكور هي حجة من قال بقتله مطلقا. والآثار المذكورة والحديث فيهما الدلالة على أنه يقتل ولو لم يبلغ به سحره الكفر. لأن الساحر الذي قتله جندب رضي الله عنه كان سحره من نحو الشعوذة والأخذ بالعيون، حتى إنه يخيل إليهم أنه أبان رأس الرجل، والواقع بخلاف ذلك. وقول عمر (اقتلوا كل ساحر) يدل على ذلك لصيغة العموم. وممن قال بمقتضى هذه الآثار وهذا الحديث: مالك، وأبو حنيفة، وأحمد في أصح الروايتين، وعمر، وعثمان، وابن عمر، وحفصة، وجندب بن عبد الله، وجندب بن كعب، وقيس بن سعد، وعمر بن عبد العزيز. وغيرهم، كما نقله عنهم ابن قدامة في (المغني) خلافا للشافعي، وابن المنذر ومن وافقهما.
واحتج من قال: بأنه إن كان سحره لم يبلغ به الكفر لا يقتل بحديث ابن مسعود المتفق عليه (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث...) الحديث، وقد قدمناه مرارا. وليس السحر الذي لم يكفر صاحبه من الثلاث المذكورة. قال القرطبي منتصرا لهذا القول: وهذا صحيح، ودماء المسلمين محظورة لا تستباح إلا بيقين، ولا يقين مع الاختلاف، والله أعلم.
واحتجوا أيضا بأن عائشة رضي الله عنها باعت مدبرة لها سحرتها، ولو وجب قتلها
(٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 ... » »»