أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٧
ويعلم ما هو أخفى من السر. وقول من قال: إن (أخفى) فعل ماض بمعنى أنه يعلم سر الخلق، وأخفى عنهم ما يعلمه هو. كقوله: * (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما) * ظاهر السقوط كما لا يخفى.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: * (وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر) * أي فلا حاجة لك إلى الجهر بالدعاء ونحوه، كما قال تعالى: * (ادعوا ربكم تضرعا وخفية) *، وقال تعالى: * (واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول) *. ويوضح هذا المعنى الحديث الصحيح. لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع أصحابه رفعوا أصواتهم بالتكبير قال صلى الله عليه وسلم: (اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنما تدعون سميعا بصيرا. إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته).
* (وهل أتاك حديث موسى * إذ رأى نارا فقال لاهله امكثوا إنىءانست نارا لعلى آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى * فلمآ أتاها نودى ياموسى * إنى أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى * وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى * إننى أنا الله لا إلاه إلا أنا فاعبدنى وأقم الصلواة لذكرى * إن الساعة ءاتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى * فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى * وما تلك بيمينك ياموسى * قال هى عصاى أتوكؤا عليها وأهش بها على غنمى ولى فيها مأرب أخرى * قال ألقها ياموسى * فألقاها فإذا هى حية تسعى * قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الا ولى * واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضآء من غير سوء ءاية أخرى * لنريك من ءاياتنا الكبرى * اذهب إلى فرعون إنه طغى * قال رب اشرح لى صدرى * ويسر لى أمرى) * قوله تعالى: * (الله لا إلاه إلا هو له الا سمآء الحسنى) *. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه المعبود وحده، وأن له الأسماء الحسنى. وبين أنه المعبود وحده في آيات لا يمكن حصرها لكثرتها، كقوله: * (الله لا إلاه إلا هو الحى القيوم) *، وقوله: * (فاعلم أنه لا إلاه إلأ الله) *.
وبين في مواضع أخر أن له الأسماء الحسنى، وزاد في بعض المواضع الأمر بدعائه بها، كقوله تعالى: * (ولله الأسمآء الحسنى فادعوه بها) *، وقوله: * (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمان أيا ما تدعوا فله الا سمآء) * وزاد في موضع آخر تهديد من ألحد في أسمائه. وهو قوله: * (وذروا الذين يلحدون فى أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون) *.
قال بعض العلماء: ومن إلحادهم في أسمائه أنهم اشتقوا العزى من اسم العزيز، واللات من اسم الله وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم (إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة) وقد دل بعض الأحاديث على أن من أسمائه جل وعلا ما استأثر به ولم يعلمه خلقه، كحديث: (أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك) الحديث. وقوله: * (الحسنى) * تأنيث الأحسن، وإنما وصف أسماءه جل وعلا بلفظ المؤنث المفرد، لأن جمع التكسير مطلقا وجمع المؤنث السالم يجريان مجرى المؤنثة الواحدة
(٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 ... » »»