فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدى به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين) *. وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة * (يأخذه) * مجزوم في جواب الطلب الذي هو * (فليلقه اليم بالساحل) * وعلى أنه بمعنى الأمر الكوفي فالأمر واضح. وعلى أنه بمعنى الخبر فالجزم مراعاة لصيغة اللفظ. والعلم عند الله تعالى. وذكر في قصتها أنها صنعت له التابوت وطلته بالقار وهو الزفت لئلا يتسرب منه الماء إلى موسى في داخل التابوت، وحشته قطنا محلوجا. وقيل: إن التابوت المذكور من شجر الجميز، وأن الذي نجره لها هو مؤمن آل فرعون، قيل: واسمه حزقيل. وكانت عقدت في التابوت حبلا فإذا خافت على موسى من عيون فرعون أرسلته في البحر وأمسكت طرف الحبل عندها، فإذا أمنت جذبته إليها بالحبل. فذهبت مرة لتشد الحبل في منزلها فانفلت منها وذهب البحر بالتابوت الذي فيه موسى فحصل لها بذلك من الغم والهم ما ذكره الله تعالى في قوله * (وأصبح فؤاد أم موسى فارغا) *.
وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من مننه المتتابعة على موسى حيث قال * (ولقد مننا عليك مرة أخرى) * أشار إلى ما يشبهه في قوله: * (ولقد مننا على موسى وهارون) *. قوله تعالى: * (وألقيت عليك محبة منى) *. من آثار هذه المحبة التي ألقاها الله على عبده ونبيه موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ما ذكره جل وعلا في (القصص) في قوله: * (وقالت امرأت فرعون قرة عين لى ولك لا تقتلوه) *، قال ابن عباس * (وألقيت عليك محبة منى) *: أي أحبه الله وحببه إلى خلقه. وقال ابن عطية: جعل عليه مسحة من جمال. لا يكاد يصبر عنه من رآه. وقال قتادة: كانت في عيني موسى ملاحة، ما رآه أحد إلا أحبه وعشقه. قاله القرطبي. قوله تعالى * (إذ تمشى أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كى تقر عينها ولا تحزن) *. اختلف في العامل الناصب للظرف الذي هو (إذ) من قوله * (إذ تمشى أختك) * فقيل: هو (ألقيت) أي ألقيت عليك محبة مني حين تمشي أختك. وقيل: هو (تصنع) أي تصنع على عيني حين تمشي أختك. وقيل: هو بدل من (إذ) في قوله * (إذ أوحينآ إلى أمك) *.
قال الزمخشري: فإن قلت: كيف يصح البدل والوقتان مختلفان متباعدان؟ قلت: كما يصح وإن اتسع الوقت وتباعد طرفاء أن يقول لك الرجل: لقيت فلانا سنة كذا. فتقول: وأنا لقيته إذ ذاك. وربما لقيه هو في أولها وأنت في آخرها.
وهذا الذي ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة: من كون أخته مشت إليهم، وقالت لهم * (هل أدلكم على من يكفله) * أوضحه جل وعلا في سورة (القصص) فبين أن أخته المذكورة مرسلة من قبل أمها لتتعرف خبره بعد ذهابه في البحر، وأنها أبصرته من بعد وهم لا يشعرون بذلك. وأن الله حرم عليه المراضع غير أمه تحريما كونيا قدريا. فقالت لهم أخته * (هل أدلكم على من يكفله) * أي على مرضع يقيل هو ثديها وتكفله لكم بنصح وأمانة وذلك في قوله تعالى: * (وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم