أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ١٩
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: * (قال ربنا الذى أعطى كل شىء خلقه ثم هدى) * فيه للعلماء أوجه لا يكذب بعضها بعضا، وكلها حق، ولا مانع من شمول الآية لجميعها. منها أن معنى * (أعطى كل شىء خلقه ثم هدى) * أنه أعطى كل شيء نظير خلقه في الصورة والهيئة، كالذكور من بني آدم أعطاهم نظير خلقهم من الإناث أزواجا. وكالذكور من البهائم أعطاها نظير خلقها في صورتها وهيئتها من الإناث أزواجا. فلم يعط الإنسان خلاف خلقه فيزوجه بالإناث من البهائم، ولا البهائم بالإناث من الإنس، ثم هدى الجميع لطريق المنكح الذي منه النسل والنماء، كيف يأتيه، وهدى الجميع لسائر منافعهم من المطاعم والمشارب وغير ذلك.
وهذا القول مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما من طريق علي بن أبي طلحة، وعن السدي وسعيد بن جبير، وعن ابن عباس أيضا: * (ثم هدى) * أي هداه إلى الألفة والاجتماع والمناكحة.
وقال بعض أهل العلم * (أعطى كل شىء خلقه ثم هدى) * أي: أعطى كل شيء صلاحه ثم هداه إلى ما يصلحه، وهذا مروي عن الحسن وقتادة. وقال بعض أهل العلم * (أعطى كل شىء خلقه ثم هدى) *: أي أعطى كل شيء صورته المناسبة له. فلم يجعل الإنسان في صورة البهيمة، ولا البهيمة في صورة الإنسان، ولكنه خلق كل شيء على الشكل المناسب له فقدره تقديرا، كما قال الشاعر: أعطى كل شىء خلقه ثم هدى) *: أي أعطى كل شيء صورته المناسبة له. فلم يجعل الإنسان في صورة البهيمة، ولا البهيمة في صورة الإنسان، ولكنه خلق كل شيء على الشكل المناسب له فقدره تقديرا، كما قال الشاعر:
* وله في كل شيء خلقة * وكذاك الله ما شاء فعل * يعني بالخلقة: الصورة، وهذا القول مروي عن مجاهد ومقاتل وعطية وسعيد بن جبير * (ثم هدى) * كل صنف إلى رزقه وإلى زوجه.
وقال بعض أهل العلم * (أعطى كل شىء خلقه) *: أي أعطى كل شيء صورته وشكله الذي يطابق المنفعة المنوطة به، كما أعطى العين الهيئة التي تطابق الإبصار، والأذن الشكل الذي يوافق الاستماع. وكذلك الأنف والرجل واللسان وغيرها، كل واحد منها مطابق لما علق به من المنفعة غير ناب عنه. وهذا القول روي عن الضحاك. وعلى جميع هذه الأقوال المذكورة فقوله تعالى * (كل شىء) * هو المفعول الأول ل (أعطى)، و (خلقه) هو المفعول الثاني.
وقال بعض أهل العلم: إن (خلقه) هو المفعول الأول، و (كل شيء) هو
(١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 ... » »»