مدين قال عسى ربى أن يهدينى سوآء السبيل) * إلى قوله * (قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين) *. وقوله * (الغم وفتناك) * قال بعض أهل العلم: الفتون مصدر، وربما جاء مصدر الثلاثي المتعدي على فعول. وقال بعضهم: هو جمع فتنة. وقال الزمخشري في الكشاف * (فتونا) * يجوز أن يكون مصدرا على فعول في المتعدي كالثبور والشكور والكفور. وجمع فتن أو فتنة على ترك الاعتداء بتاء التأنيث كحجوز وبدور في حجزه وبدرة أي فتناك ضروبا من الفتن. وقد جاء في تفسير الفتون المذكور حديث معروف عند أهل العلم بحديث (الفتون)، أخرجه النسائي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وساقه ابن كثير في تفسيره عن النسائي بسنده . وهو حديث طويل يقتضي: أن الفتون يشمل كل ما جرى: على موسى من المحن من فرعون في صغره وكبره، كالخوف عليه من الذبح وهو صغير، ومن أجل ذلك ألقي في التابوت وقذف في اليم فألقاه اليم بالساحل. وكخوفه وهو كبير من أن يقتله فرعون بالقبطي الذي قتله. وعلى هذا فالآيات التي ذكرت فيها تلك المحن مبينة للفتون على تفسير ابن عباس للفتون المذكور. وقال ابن كثير رحمه الله بعد أن ساق حديث الفتون بطوله: هكذا رواه النسائي في السنن الكبرى. وأخرجه أبو جعفر بن جرير، وابن أبي حاتم في تفسيريهما كلهم من حديث يزيد بن هارون به، وهو موقوف من كلام ابن عباس، وليس فيه مرفوع إلا قليل منه، وكأنه تلقاه ابن عباس رضي الله عنه مما أبيح نقله من الإسرائيليات عن كعب الأحبار أو غيره. والله أعلم. وسمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يقول ذلك أيضا ا ه. قوله تعالى: * (فتونا فلبثت سنين فى أهل مدين ثم جئت على قدر) *. السنين التي لبثها في مدين هي المذكورة في قوله تعالى: * (قال إنى أريد أن أنكحك إحدى ابنتى هاتين على أن تأجرنى ثمانى حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك) * وقد قدمنا في سورة (مريم) أنه أتم العشر، وبينا دليل ذلك من السنة. وبه تعلم أن الأجل في قوله: * (فلما قضى موسى الا جل) * أنه عشر سنين لاثمان. وقال بعض أهل العلم: لبث موسى في مدين ثمان وعشرين سنة، عشر منها مهر ابنة صهره، وثمان عشرة أقامها هو اختيارا، والله تعالى أعلم.
وأظهر الأقوال في قوله تعالى: * (ثم جئت على قدر ياموسى) * أي جئت على القدر الذي قدرته وسبق في علمي أنك تجيء فيه فلم تتأخر عنه ولم تتقدم، كما قال تعالى: * (إنا كل شىء خلقناه بقدر) * وقال: * (وكل شىء عنده بمقدار) *