أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٤٧٨
والدليل على ذلك ثلاثة أمور. الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم بات بها الليالي المذكورة وقال (لتأخذوا عني مناسككم) فعلينا أن نأخذ من مناسكنا البيتوتة بمنى الليالي المذكورة.
الثاني: هو ما ثبت في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للعباس أن يبيت بمكة أيام منى، من أجل سقايته وفي رواية: أذن للعباس.
وقال ابن حجر في فتح الباري في شرح حديث الترخيص للعباس المذكور عند البخاري ما نصه: وفي الحديث دليل على وجوب المبيت بمنى وأنه من مناسك الحج، لأن التعبير بالرخصة يقتضي أن مقابلها عزيمة، وأن الإذن وقع للعلة المذكورة، وإذا لم توجد هي أو ما في معناها لم يحصل الإذن وبالوجوب قال الجمهور: وفي قول للشافعي ورواية عن أحمد، وهو مذهب الحنفية: أنه سنة ووجوب الدم بتركه مبني على هذا الخلاف، ولا يحصل المبيت إلا بمعظم الليل انتهى محل الغرض عنه. وما ذكره من أخذ الوجوب من الحديث المذكور واضح.
وقال النووي في شرح مسلم في الكلام على الحديث المذكور: هذا يدل لمسألتين.
إحداهما: أن المبيت بمنى ليالي أيام التشريق مأمور به، وهذا متفق عليه، لكن اختلفوا هل هو واجب أو سنة؟ وللشافعي قولان، أصحهما: واجب وبه قال مالك، وأحمد، والثاني: سنة. وبه قال ابن عباس، والحسن وأبو حنيفة، فمن أوجبه أوجب الدم في تركه وإن قلنا سنة لم يجب الدم بتركه، ولكن يستحب انتهى محل الغرض منه وكأنه يقول: إن الحديث لا يؤخذ منه الوجوب، ولكن يؤخذ منه مطلق الأمر به لأن رواية مسلم ليس فيها لفظ الترخيص، وإنما فيها التعبير بالإذن ورواية البخاري فيها رخص النبي صلى الله عليه وسلم والتعبير بالترخيص: يدل على الوجوب كما أوضحه ابن حجر في كلامه الذي ذكرناه آنفا.
الأمر الثالث: هو ما قدمنا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه كان يمنع الحجاج من المبيت، خارج منى ويرسل رجالا يدخلونهم في منى، وهو من الخلفاء الراشدين الذين أمرنا بالاقتداء بهم، والتمسك بسنتهم، والظاهر أن من ترك البيت بمنى لعذر لا شيء عليه، كما دل عليه الترخيص للعباس من أجل السقاية، والترخيص لرعاء الإبل في عدم
(٤٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 473 474 475 476 477 478 479 480 481 482 483 ... » »»