المبيت ورمي يوم بعد يوم.
الفرع الحادي عشر: في حكمة الرمي:
اعلم أنه لا شك في أن حكمة الرمي في الجملة هي طاعة الله، فيما أمر به وذكره بامتثال أمره على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، قال أبو داود في سننه حدثنا مسدد، ثنا عيسى بن يونس، ثنا عبيد الله بن أبي زياد، عن القاسم عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) وقال النووي في شرح المهذب في حديث أبي داود هذا، وهذا الإسناد كله صحيح إلا عبيد الله فضعفه أكثرهم ضعفا يسيرا، ولم يضعف أبو داود هذا الحديث، فهو حسن عنده كما سبق. وروى الترمذي هذا الحديث من رواية عبيد الله هذا، وقال هو حديث حسن، وفي بعض النسخ: حسن صحيح، فلعله اعتضد برواية أخرى. انتهى محل الغرض منه.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: عبيد الله بن أبي زياد المذكور، هو القداح أبو الحصين المكي، وقد وثقه جماعة، وضعفه آخرون، وحديثه هذا معناه صحيح بلا شك ويشهد لصحة معناه قوله تعالى * (واذكروا الله فى أيام معدودات) * لأنه يدخل في الذكر المأمور به: رمي الجمار بدليل قوله بعده * (فمن تعجل فى يومين فلا إثم عليه) *، وذلك يدل على أن الرمي شرع لإقامة ذكر الله، كما هو واضح، ولكن هذه الحكمة إجمالية، وقد روى البيهقي رحمه الله في سننه عن ابن عباس مرفوعا قال: لما أتى إبراهيم خليل الله عليه السلام المناسك، عرض له الشيطان عند جمرة العقبة، فرماه بسبع حصيات، حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثانية، فرماه بسبع حصيات، حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له في الجمرة الثالثة، فرماه بسبع حصيات، حتى ساخ في الأرض. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: الشيطان ترجمون وملة أبيكم تتبعون. انتهى بلفظه من السنن الكبرى للبيهقي، وقد روى هذا الحديث الحاكم في المستدرك مرفوعا ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وعلى هذا الذي ذكره البيهقي، فذكر الله الذي يشرع الرمي لإقامته، هو الاقتداء بإبراهيم في عداوة الشيطان، ورميه، وعدم الانقياد إليه، والله يقول * (قد كانت لكم أسوة حسنة فى إبراهيم) *، فكأن الرمي رمز وإشارة إلى عداوة الشيطان التي أمرنا الله بها في