عليه دليل يقارب دليله، والعلم عند الله تعالى. والظاهر أن من شك في عدد ما رمى بيني على اليقين، وروى البيهقي عن علي رضي الله عنه ما يؤيده.
الفرع التاسع: اعلم أن جمهور أهل العلم على أن من غربت شمس يوم النفر الأول، وهو بمنى لزم المقام بمنى، حتى يرمي الجمار الثلاث بعد الزوال في اليوم الثالث، ولا ينفر ليلا. وممن قال بهذا: الأئمة الثلاثة: مالك، والشافعي، وأحمد، وهو قول أكثر أهل العلم. وقال ابن قدامة في المغني: وهو قول عمر، وجابر بن زيد، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، وأبان بن عثمان، ومالك، والثوري، والشافعي، وإسحاق، وابن المنذر. وقال ابن المنذر: ثبت عن عمر أنه قال: (من أدركه المساء في اليوم الثاني، فليقم إلى الغد، حتى ينفر مع الناس). وخالف أبو حنيفة الجمهور في هذه المسألة فقال: له أن ينفر ليلة الثالث عشر من الشهر حتى يطلع الفجر من اليوم الثالث، فإن طلع الفجر لزمه البقاء، حتى يرمي.
والأظهر عندي: حجة الجمهور. لأن الله تعالى قال * (فمن تعجل فى يومين) * ولم يقل في يومين وليلة.
ووجه قول أبي حنيفة: هو أن من نفر بالليل فقد نفر في وقت، لا يجب فيه الرمي، بل لا يجوز فجاز له النفر كالنهار. وقد قدمنا أيضا عن الحنفية أنهم يرون الليلة التي بعد اليوم من أيام التشريق تابعة له، فيجوز فيها ما يجوز في اليوم الذي قبلها كالرمي فيها والنفر فيها إن كان يجوز في يومها.
والأظهر عندي: أنه لو ارتحل من منى فغربت عليه الشمس، وهو سائر في منى لم يخرج منها أنه يلزمه المبيت والرمي، لأنه يصدق عليه أنه غربت عليه الشمس في منى، فلم يتعجل منها في يومين خلافا للمشهور من مذهب الشافعي القائل: بأن له أن يستمر في نفره ولا يلزمه المبيت والرمي.
والأظهر عندي أيضا: أنه لو غربت عليه الشمس، وهو في شغل الارتحال أنه يبيت، ويرمي خلافا لمن قال: يجوز له الخروج منها بعد الغروب لأنها غربت، وهو مشتغل بالرحيل، وهما وجهان مشهوران عند الشافعية والعلم عند الله تعالى.
واعلم: أن التحقيق أن التعجل جائز، لأهل مكة فهم فيه كغيرهم، خلافا إن فرق بين المكي وغيره، إلا لعذر لأن الله قال * (فمن تعجل فى يومين فلا إثم عليه) *