وهو عموم شامل لأهل مكة وغيرهم، ولا شك أن التأخر أفضل من التعجل لأن فيه زيادة عمل، والنبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع لم يتعجل.
الفرع العاشر: اعلم أن العلماء اختلفوا في المبيت في منى، ليالي أيام التشريق هل هو واجب أو مستحب، مع إجماعهم على أنه مشروع؟ فذهب مالك، وأصحابه: إلى أنه واجب، ولو بات ليلة واحدة منها أو جل ليلة، وهو خارج عن منى. لزمه دم لأثر ابن عباس السابق. وروى مالك في الموطأ، عن نافع أنه قال: زعموا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كان يبعث رجالا يدخلون الناس من وراء العقبة. وروى مالك في الموطأ أيضا، عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب قال: لا يبيتن أحد من الحاج ليالي منى من وراء العقبة. اه منه.
وهو دليل على وجوب المبيت ليالي أيام التشريق بمنى كما أنه دليل على أن ما وراء جمرة العقبة، مما يلي مكة، ليس من منى، وهو معروف، ومذهب أبي حنيفة: هو أن عدم المبيت بمنى ليالي منى مكروه، ولو بات بغير منى لم يلزمه شيء، عند أبي حنيفة، وأصحابه، لأنهم يرون أن المبيت بمنى لأجل أن يسهل عليه الرمي، فلم يكن من الواجبات عندهم. ومذهب الشافعي في هذه المسألة: هو أن في المبيت بمنى ليالي منى طريقتين، أصحهما، وأشهرهما فيه قولان أصحهما: أنه واجب، والثاني: أنه سنة، والطريق الثاني أنه سنة قولا واحدا فعلى القول بأنه واجب، فالدم واجب في تركه، وعلى أنه سنة، فالدم سنة في تركه، ولا يلزم عندهم الدم، إلا في ترك المبيت في الليالي كلها، لأنها عندهم كأنها نسك واحد، وإن ترك المبيت في ليلة من الليالي الثلاث، ففيه الأقوال المذكورة في ترك الحصاة الواحدة عندهم أصحها أن في ترك مبيت الليلة الواحدة عدا، والثاني: أن فيه درهما، والثالث: أن فيه ثلث دم كما تقدم، وحكم الليلتين معلوم كما تقدم.
ومذهب الإمام أحمد في هذه المسألة: أن المبيت بمنى ليالي منى واجب، فلو ترك المبيت بها في الليالي الثلاث. فعليه دم على الصحيح من مذهبه، وعنه: يتصدق بشيء، وعنه: لا شيء عليه فإن ترك المبيت في ليلة من لياليها، ففيه ما في الحصاة الواحدة من الأقوال التي قدمنا، قل من وقيل: درهم، وقيل، ثلث دم.
فإذا عرفت أقوال أهل العلم في هذه المسألة فاعلم أن أظهر الأقوال دليلا أن المبيت بمنى أيام منى نسك من مناسك الحج، يدخل في قول ابن عباس: من نسي من نسكه شيئا، أو تركه فليهرق دما.