أن الأمة جميعها، وخلفاءها الراشدين مكثت هذا الزمن الطويل، وهي على باطل، فهذا باطل بلا شك.
واعلم أن قول عمران بن حصين رضي الله عنه في حديثه المتقدم، معرضا بعمر رضي الله عنه قال رجل برأيه ما شاء، يعني به: نهى عمر عن التمتع أما إفراده الحج في زمن خلافته، فلم ينكره هو ولا غيره. ومذهب ابن عباس رضي الله عنهما في أن من طاف حل بعمرة شاء أو أبى مذهب مهجور خالفه فيه الصحابة والتابعون، فمن بعدهم فهو كقوله: ينفي العول وبأن الأم لا يحجبها من الثلث إلى السدس، أقل من ثلاثة.
فإن قيل: مذهبه هذا ليس كذلك لأنه دلت عليه نصوص.
فالجواب: هو ما ذكرنا من حجج من خالفوه وهم عامة علماء الأمة والعلم عند الله تعالى.
قال مقيده عفا الله وغفر له: الأظهر عندي في هذه المسألة، هو ما اختاره العلامة أبو العباس ابن تيمية رحمه الله في منسكه، وهو: إفراد الحج بسفر ينشأ له مستقلا، وإنشاء سفر آخر مستقل للعمرة.
فقد قال رحمه الله في منسكه: إن عمر رضي الله عنه لم ينه عن المتعة البتة، وإنما قال: إن أتم لحجكم، وعمرتكم أن تفصلوا بينهما فاختار عمر لهم أفضل الأمور، وهو إفراد كل واحد منهما بسفر ينشئه له من بلده، وهذا أفضل من القران، والتمتع الخاص بدون سفرة أخرى. وقد نص على ذلك أحمد، وأبو حنيفة، ومالك والشافعي وغيرهم وهذا هو الإفراد الذي فعله أبو بكر، وعمر رضي الله عنهما وكان عمر يختاره للناس، وكذلك علي، وقال عمر وعلي في قوله تعالى * (وأتموا الحج والعمرة لله) * قالا: إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك، وقد قال صلى الله عليه وسلم لعائشة في عمرتها (أجرك على قدر نصبك) فإذا رجع الحاج إلى دويرة أهله، فأنشأ العمرة منها، واعتمر قبل أشهر الحج، وأقام حتى يحج أو اعتمر في أشهره، ورجع إلى أهله، ثم حج فها هنا قد أتى بكل واحد من النسكين من دويرة أهله. وهذا إتيان بهما على الكمال فهو أفضل من غيره انتهى منه بواسطة نقل تلميذه ابن القيم في الزاد فترى هذا العلامة المحقق صرح بأن إفراد كل منهما بسفر أفضل من التمتع والقران، وأن الأئمة الأربعة متفقون على ذلك، وأن عمر، وعليا يريان ذلك عملا بنص القرآن العظيم، وبذلك تعلم أن قول بعض المتأخرين بمنع الإفراد مطلقا مخالف للصواب كما ترى، والعلم عند الله تعالى.